كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

فيجلسُ على مقربةِ من هذا الماء، ومن غارِ قريب منه، هو مأواهُ اثناء
نومه، ويجيل بصره فيما حوله من خلق الله، ئم يرجِعُ البصرَ، ويغمضُ
عينيه الواسعتين الجميلتين إغماضة تأملِ وادّكار، فاذا جُنَ الليل، وتألقت
النجوم، وانتثرتْ في قبة السماء، أجالَ بصره فيها، وفكّر في امرها، وفي
خلقها، وقضى الليلَ متأملاً، يُقلّب في ذهنه كلَّ ما يقول قومهُ عن العالم
والآلهة والملائكة، وفي هذه الأصنام التي يعبدون، ويُنسيه التفكيرُ
نفسه، ويُنسيه طعامه ونومَه، ويذرهُ متعلقاَ بما ينشد من حقيقة العالم
والكون والوجود، ثم يستريجُ في الغار سُويعات، لا يلبثُ حين يقظته
بعدها ان يعود إلى تفكيره، وإلى تأمله، وإلى نشدانه الحقيقة في أمر هذا
الوجود".
تلك خطراتُ كاتبِ مُؤمن، شاء ان يتختل عواطف الرسول -لجيو
الشريفة، ولكئي ارى مع ذلك، انّ عواطف اعظم خَلْقِ الله جميعاً من بني
الإنسان لا يقدرُ على تصؤرها على حقيقتها الرفيعة إلا نبيئ مثله، فمهما
ارتقى كاتب في تصوّره، فلن يبلغَ معشار ما بلغه صاحب الرسالة العظمى
في رفعة خواطره، وارتقاء مُثله، ودكنْ حسبُ الكاتبِ انَ إيمانه قد دفعَ به
إلى استجلاءِ صورةِ كبيرة من منفذه الضعِق، فصور منها ما استطاع أ ن
يراه، وبقي مما لم يستطع تصويره الكثير والكثير.
وتصوير هيكل لمشاعره الخاصة حول غار حراء يذكرنا بتصويره لما
علمهُ من صحف التاريخ عن مبيت الرسول جم! ي! مع صاحبه في غار ثور عند
الهجرة، وكان الكاتب الكبيرُ يصف نفسه وصفاَ دقيقاَ حين قال (1):
(1) في منزل الوحي، ص 4 5 2.
105

الصفحة 105