كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

"تمثل لي المشهد - مشهد المهاجرين الكريمين - وانا بمكاني في
الغار، وبلغ من امتثالي إياه أن كدتُ اسمع حديث المطاردين مع الراعي،
وأرى الفتى كما كان يراه ابو بكر، وامتلأ قلبي رُعْبأ من هول ما أرى
وما أسمع، وشعرتُ بصيحةِ تكادُ تنطلق من صدري، وتنفرجُ عنها
شفتاي، وكأئي أهيبُ مستغيثأ بالذين يطاردونني: على رِسْلِكم، فها أنذا
مُسْلِمكم نفسي! لكن الفتيان الجلداء لا يطاردونني، بل يطاردون محمداَ
عبدَ الله ورسوله عي! ومنطق محمد عي! ليس كمنطقنا، لأن روحه ليستْ
كروحنا، وإن كان بشراً مثلنا".
نعم، هنا اعترف هيكل بما قرّرتهُ من قبل، بأنَّ منطقَ محمدٍ عي!
ليسَ كمنطقنا، وروحه ليست كروحنا، فمهما دقّقْنا في تصوير نوازعه
الشريفة، فهي دون ما ارتقتْ إليه هذه النوازع من كمال، ولكنْ للمؤمن
شوقه وهيامه برسول ربه ع! ير، وهذان: الشوقُ والهيامُ، يدفعانه إلى التصؤر
المُرتقي إلى اعلى ما يُستطاع، وهو الحبّ يأبى إلا أن يفيض.
لقد أجملتُ الحديث عن موضوعات هذا الكتاب الرائع في عدّة
سطور، وهو إجما 4 عاجز كسيح بالنسبة إلى مُجفدٍ بلغ في طبعته الأولى
التي أرجعُ إليها، ستمئة واثنتينْ وسبعين من الصفحات، ئم زادت في
الطبعات التالية إلى حيثُ لا اعلمُ، ولعلّي بتقصيري الذي أعترفُ به أدفعُ
القارى إلى مراجعة الكتاب من ألفه إلى يائه، فأكونُ بذلك قد غرستُ بذرةَ
الشوقِ في نفسه، لتنمو وتورِقُ وتزدهر، ف! ذا بلغت ذلك، فقد فعلتُ
الكثير.
!!!
106

الصفحة 106