كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

لا تحركها في النفس إلا القوة والقدرة.
يقول الدكتور هيكل فيما مفد به للحديث عن موقف أبي بكر من
أسرى بدر: "ألِفَ الناسُ في كثير من المؤمنين بعقيدة لا يُمارون فيها
ولايُداجون أن يبلغَ بهم التعضبُ لعفيدتهم مبلغاً يجعلهم أشداء لايهنون،
غلاظاَ لا يلينون، بل إنَ منهم لكثيرين لا يُطيقون النطر إلى وجوه من
يُخالفهم في هذه العقيدة، وهم يروْن أنَ الإيمانَ الحق يفتضيهم هذا
التعصب، وهذ 5 الشدة، وتلك الغلظة، أما الصديق فكان على جلال
إيمانه، وعظيم تعصبه لهذا الإيمان، وشدته فيه شدةً لا تهون ولا تتردد،
بعيداَ عن الغلظة، قريباَ إلى اللين، عفوّاَ عند المقدرة، مُحسناَ متى تئمَ
لإيمانه النصر، بذلك جمع في قلبه بين مبدأين من أسمى المبادئ الإنسانية،
ححث الحق والرحمة، ففي سبيل الحق كان يستهين بكل شيء، وبالحياة
قبل كل شيء، فإذا علتْ كلمة الحق، غلب فيه جانب الرحمة، وانقلب
مؤمناَ بها، وإيمانه من قبل بالحق، ضعيفاً حتى لتذرف عينه الدمع، ترسله
مدرا ر 131).
بمثل هذه الاَراء العميقة تفزدَ جماعة من الباحثين في تاريخ الصدر
الأول من بناة الإسلام، لإبداعٍ لم يلحقهم فيه من أخذوا يتعقبون بعضَ
الهفوات التي لا يخلو من الوقوع فيها بشر، ليرسلوا الصياح المزعج،
والعواء المتشنج على من كتبوا التاريخ بلسان عربي مبين.
وكما بدأ الكتاب بمقدمةِ ذاتِ روعةِ بالغةِ، انتهى بخاتمة لا تقل
عنها روعةً وإبداعاً، إذ تحدث عن الدهشة البالغة لانتصار القلة القليلة من
(1) الصديق ابو بكر، صه 4.
114

الصفحة 114