كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

ومعارك الأردن، وسورية، وبيت المقدس، والتمهيد لفتح مصر.
وجاء الكتاب الثاني ليتحدّثَ عن الخطوات الأخيرة في انتهاء عهد
الأكاسرة، ثم بتفصيل دقيقٍ شافٍ عن فتج مصر، هذا غير الحديث عن
سياسة عمر في الإدارة، وما امتازَ به من قدرةٍ فائقة في فهم النص القراَني،
وتطبيفه على ما جدَ من أمور الحياة اجتهاداً واستنباطاً، حتى ليجوزَ أن
يُكتبَ في عمر الفقيه كتاباً خاصاً يُعادِلُ ما كتب عن الأئمة أبي حنيفة،
ومالك، والشافعي، وابن حنبل، إذ كان اجتهادُه مع اجتهاد الإمام عليّ
فاتحة هذه النهضة التشريعية في الإسلام، وقد سجّل ذلك كلّه بأسلوبٍ
مشرقٍ لم يعهده القارئون في صحف التاريخ التي تناولت هذه الحقبة
السعيدة حقاً.
فالكتبُ القديمة لها سنتها المعهودة في الرواية، وحشد الأقوال،
والكتب الحديثة قبل هذا الكتاب النادر حقاً لم تحظَ بهذه النظرات القوية
الهادئة في التحليل والاستنباط، ثم بهذا الأسلوب الذي يُعدّ من أجمل
أساليب البيان التاريخي الممتاز في ألفاظه وصوره ومعانيه، حتى ليكاد
تاريخ هذه الفتوح المجيدة أن يكون قصة شائقة، قصة واقعية، ترجعُ إلى
الحقائق الأكيدة لا إلى الخيال المنمّق.
يقول الدكتور شوفي ضيف متحدثاً عن هذا الجهد الكبير (1): " وإنّنا
لنعجبُ الاَن كيف استطاع عمرُ أن يؤلّف هذه الدولة العظيمة، ولكن
لا نعجبُ، فإنّ أسباب العجب كلّها يزيلها من نفسك الدكتور هيكل باشا
بما يعرضه عليك من درسٍ وبحثٍ، يُفسران لك أروعَ تفسيرٍ هذه الحقبة في
(1) مجلة الثقافة -العدد 336، 5/ 5/ 5 94 1 م.
118

الصفحة 118