كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

ورحمهم، وجعل يدفعُ عنهم برم الناس بهم، وسخطهم عليهم، فكان
يقولُ: " اللهم كلّ مسلم في حلٍّ مني، أنا فئة كل مسلم، من لقى العدوّ
ففظع بشيء من امره، فأنا له فئة يا معشر المسلمين، لا تجزعوا، أنا
فئتكم، وإنما انحزتم إليّ يرحمُ اللّه ابا عبيد، لوكان انحاز إليّ لكنتُ له
فئةً، وكان معاذُ القارى أخو بني النجار ممن فرّوا من الجسر إلى المدينة،
وكان يبكي كلّما قرا قول النّه تعالى: " وَمَن يُوَصلهِئم يَومَبِؤ برَ 3 إِلَأ مُتَحَزِفا
ئِقِنَالٍ أَؤ مُتَحَيزَا إِفَ فِئَؤفَقَذصباَءَ يغَضَس ئِفَ ألتَهِ وَمَآوَنهُ جَهَنَم وَربئممَى
اَلمْصَيرُ" 1 الأنفال: 16،. فكان عمر يقول له: لا تبكِ يا معاذ، أنا فئتك،
وإنّما انحزت إلي ".
هذ 5 الرحمة الحانية من الفاروق تدكُ على إنسانية رفيعة تتغلغلُ في
أعماقه، فالذين يعرفون صرامته وقوته، كانوا يظنون أنّه سيؤنب هؤلاء
الذين اذهلهم الفزع، ففزوا مذعورين، ولكنه أدرك ان الضعف البشري
يعتري الناس، ولا بدّ ان يُعذروا فيما لم يستطيعوه من مواصلة القتال،
فجعلَ نفسه فئةً للفارين، ليندرجوا في قول اللّه: " أَؤ مُخَئزاَ إِفَ فِئَؤ"
1 الأنفال: 6 1،.
ذكر الدكتور هيكل هذا الموقف ئم عقّب عليه بقوله الرائع (1):
"يذكرنا موقفُ عمر من هؤلاء الذين فروا مرتدين إلى المدينة بعد هزيمتهم
بالجسر، بموقف رسول اللّه! شي! من الجند المسلمين، الذي عادوا من غزوة
مؤتة، بعد ان قُتِلَ قوّادهم فيها، فداور خالد بن الوليد بمن بقي منهم،
وارتد بهم إلى المدينة غير منتصر على عدوّه، فجعل اهلُ المدينة يحثون
على هذا الجيش التراب، ويقولون: يا فرّار، فررتم من سبيل اللّه، فيقولُ
__________
(1) الفاروق عمر: 1/ 6 1 1.
123

الصفحة 123