كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اليسوا الفزار، ولكتهم الكزار إن شاء الله ".
ولم يكن ارتداد المسلمين بمؤتة كهزيمتهم بالجسر فظاعةً وسوءَ
أثرٍ، ولم يكنْ عمر كرسول الله! ييه رحمةً ورأفةً، ومع ذلك كان رؤوفاً
بمن نكبوا يوم الجسر، بل كان فئتهم، وقف في جانبهم ودافع عنهم،
وأبدى من العطف عليهم ما سكّن من روعهم، وخفف من عار هزيمتهم،
ولا عجب وقد صارت إليه إمارة المؤمنين ان يكون رحيماً، فيكون أبرّهم
بهم، واشدّهم عطفاً على الضعفاء منهم، وإنْ ظل شديد البأسَ على
الأقوياء، شديدَ البطش بالظالمين ".
وإذا كان هيكلُ يقصدُ فيما يقصدُ من كتابة تاريخ الصدر الأول في
الإسلام إلهابَ العزائم الخامدة، وإيقادَ العواطف الهامدة، فإنّه يحرصُ
كل الحرص على تربية الجيل المعاصر تربيةً تماثِلُ تربية السلف الصالح،
ويتخذ من الوقائع التاريخية ما يبعثُ هذا الحرصَ في النفوس، ضارباً
الأمثلة الناصعة كبرهان على صحة ما يريده، وكان انتصار المسلمين على
الفرس أحدَ الأمثلة الواضحة، التي شاء ان يقدّمها دليلاً على ما يريدُ من
إحياء المثل الأعلى في النفوس، ليقود المعاصرين إلى النصر، كما قاد
الغابرين من قبلُ في معركة الفرس.
وقد اتضح أمامه المثل الناهض في رجلين من الأبطال حاربا من قبلُ
في صفوف الشرك، فاندحرا اندحاراً مشيناً، مع قوتهما الباسلة وشجاعتهما
المعترف بهما، ثم اهتديا بنور ا لإسلام، وحاربا حميّةً عن دين الله، فأحرزا
الانتصار، هذان هما (طليحة بن خويلد الأسدي) و (عمرو بن معدي
كرب الزبيدي) وهذا هو حديثهما يرويه الكاتب الكبير فيقول (1):
__________
(1) الفاروق عمر: 1/ 186.
124

الصفحة 124