كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

على أن حياة الكاتب الكبير وقد تصدر للزعامة الفكرية مدة أربعين
عاماَ من عمره المثمر لم تكن خافيةَ على دارسيه، فقد وُلد في سنة
(1888 م) في أسرةِ ريفِية باحدى قرى (الدقهلية)، وكانَ لوالده وجاهة في
قريته، فهو رئيسُها النافذُ الأمر، ومنزلهُ منزلُ الضيفان والوفود، وقد بعث
به في الرابعة مِنْ عمره إلى مكتب القرية ليحفظَ القراَن الكريم، فأهدى له
مِنةَ كبرى حين اتجه به هذا الاتجاه، إذْ تَلَقَى الأثرَ القوفيَ في تكوينه
الأدبي، وإن لم يكنْ في هذه السن يَدْري شيئاَ عن معدن البلاغة القراَنيّة،
ولكن انطباعَ الاَياتِ الكريمة في نفسه قد ارتفعَ به إلى مستوَى ذوفي نُدركُه
نحنُ في كلّ مَن حفظ كتاب الله، يماِنْ لمْ يُواصلْ دراسةَ أدبيّةَ.
وقد كان موضع اهتمامِ شَيْخه الريفي، نطراَ لمكانة أبيه، وإنْ لم
يُخْلِهِ مِنْ عقاب جَسَدي أشار إليه الدكتور هيكل فيما كتبه في كتاب (في
أوقات الفراغ) تحتَ عنوان (تذكار الطفولة) إذ تحدث عن عقابِ صارمِ
نَزلَ به، لأنّه لم يَدْفع المقرّر اليوميّ الّذي كان يُعطيه للشيخ ذات مزة،
وهذا يدكُ على أنّ والده كان كريمَ التعامل مع الشيخ، إذ لو كانَ كرؤساء
القُرى من عُمَدِ هذا العهد ذا سطوةِ جبارة، ما هتم الشيخُ بمثل هذا العقاب
بطفْله، ولَحَذِرَ أن يكونَ موضعَ التنكيل.
ولهذا الخُلق صداهُ في نفس محمد حسين هيكل، إذ أورثه كثيراَ من
الترفع عن الصغائر، والأخذِ بالتي هي أحسن في مجابهة المتَطَفّلين. ثم
التحقَ بالمدرسة ا لابتدائية فالثانوية، على نحوِ ما يتّجه إليه أبناء الموسرين،
التحق بهاتين المدرستين في القاهرة في رعاية بعض أقاربه.
وكان منزلُ والده يتسع للجرائد اليومية، ولبعض ما صدر من الكتب
13

الصفحة 13