كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

وفي الحكم الروماني لم يحدث ادنى استفرارٍ في البلاد يُعلن عن
انتمائها لرومة، بل كانت من الثورات المتتابعة حركاتُ القمرد والمناداة
بالاستقلال، حتى جاء العرب، فطردوا الرومان، واَمنت مصرُ بالإسلام،
فصارت ذاتَ استقلالٍ في ظلّه.
يقول الدكتور هيكل: وإذا كان صحيحاً أنَّ الحكام الذين تولّوا أمرَ
مصر في عصور مختلفة لم يكونوا من اصل مصري صميم، فلن يُغيّر ذلك
من خطأ المؤرخين وادعائهم خضوع مصر لأمم أجنبية عنها، إلا إذا
اعتبرنا قيام ملك كملك الإنكليز على رأس أكبر إهجراطورية في الوقت
الحاضر (مع انه من أصل غير إنكليزي) (1) دليلاً على أن إنكلترة خاضعة
للأمة التي يرجع إليها مليكها.
وليس هذا المثل الذي ضربناه بالفرد، فنابليون إمبراطور فرنسة كان
من كورسيكة، اي كان أقربَ إلى الإيطالية منه إلى الفرنسية، وأكثرُ ملوك
أوروبة الباقين على العرش اليوم من دماءٍ غير دماء الشعوب التي ملّكتهم
عليها، وليست هذه الشعوب لذلك أقلَّ حرية واستقلالاً مما كانت مصو
في اكثر العصور التي تعاقبت عليها، هذا ما قاله هيكل، وأظنّه كان يريد
أن يقولَ: وليست مصر اقلّ حرية واستقلالاً حين ذاك من الشعوب التي
يحكمها ملوك ليسوا من اصل البلاد. وقد تعرّض بإسهابٍ لتوضيج هذه
النظرية بما يملك من حجج.
وفي الحكم الإسلامي بالذات كتب صفحات مشرقة تثبت أنّ الإسلام
__________
(1) أصل الأسرة المالكة في بريطانية من بولندة، حتى إن أحد ملوكها كان يتكفم
الألمانية ولم يكن يحسن التكفم بالإنكليزية. (الناشر)
132

الصفحة 132