كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

هو الذي حكم، وانّ المسلمين قد ارتضوا حكمه، لأنّ المؤمنين إخوة.
ولعرّض لعهد الولاة والطولونيين والإخشيديين والفاطميين
والأيوبيّين والمماليك موضحاً أنَّ هؤلاء مسلمون، وقد جعلوا مصر
وجهتهم، وامتزجت دماؤها بدمائهم، فليسوا غرباء عن البلاد في حدود
المفهوم الصحيج للإسلام.
وما أشار إليه الدكتور هيكل من انحياز مؤرخي الغرب إلى وجهة
الاستخفاف بالتاريخ المصري، نجد له شبيهاً آخر، هو ما ادّعوه من أنّ
تاريخ مصر ينقسم إلى قسمين، العصر الإسلامي ويبدأ من عهد الفتج،
والعصر الحديث ويبدا من عهد الحملة الفرنسية، ومعنى ذلك عندهم أنَ
مصر ليست إسلامية بعد الحملة الفرنسية، وإنما انتقلت إلى تطوّر اخر
يبعدها عن الإسلام، وهذا ما يحاولون ترسيخه في الأذهان، وقد ظهر
عُوارهُ لدى كلّ عاقلٍ بأدنى تأمل، فمصرُ إسلاميةٌ تزيدُ كل يوم إسلاماً،
وما تزال كذلك حتى يقوم الناس لرب العالمين.
وفيما كتبته تحت عنوان (الكاتب الكبير) بعضُ حديثٍ عن كتاب
(التراجم) لا أجدُ فائدةً في العودة إليه، ولكني اشير هنا إلى لفتاتٍ جميلة
يذكرها هيكلُ اثناء الترجمة، فتكونُ ذات دلالة قوية على شخصية المترجم
له، وقد تُغني في دلالتها اللامحة عن كتابة فصل طويل، فقد تحذث مثلاً
عن الشاعر الكبير (إسماعيل صبري) ووفّاه حقه من التنويه بشاعريته
الأصيلة، وكان ذلك أصلاً لمن كتبوا عن الشاعر بعد حديث هيكل، ولكنه
أراد أن يتحدّث عن سرعة بديهته وحسن استنباطه الدقيق لفهم الأمور في
مجالس القضاء فروى هذه الطرفة:
"اعترف أمامه - في المحكمة - متهم بجريمة قتل، فلما خلا مع
133

الصفحة 133