كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

العربية قديماَ وحديثاَ، فعكف التلميذُ في المسامحات الصيفية (1) على
قراءةِ ما وَقعَ تحت يده برَغْبةِ شخصية دون ان يدفَعَهُ أحد إلى ذلك، وبهذه
الكتب المتواضعة بدأَ شغفُه بالاطلاع المقج، فتفوق علىِ زملائه ممنْ
كانوا لا يَهْتمون بغيْر الكتب المدرسية وحدَها، وحينَ فرغ من المدرسة
الخديوية الثانوية اتجه إلى دراسة الحقوق، وفقَ اتجاهٍ تكؤَن في نفسه،
لأنّ اباهُ كانَ يرى أن يبعث به إلى كلية الطّب، ليكونَ طبيباً مرموقاَ، في
وقتٍ لم يكن للأطباء انتشار واسعٌ بمصر.
ولكن الكاتب أصَزَ على موقفه، فالتحقَ بالدراسة القانونية، وبزز
فيها تبريزاً رائعاً، وتخرّج سنة (909 ام) شاباً نابهاً لهُ مستقبله الذي
يستطيع أن يلجه مزوداً بدرجته القانونية، وكان ذا طُموح وثاب، فآثر أنْ
يتجه إلى فرنسة لياخذَ درجة الدكتوراه في القانون ووافقه والدهُ بعد تردد،
وفعلاً تئم له ما أراد، وعادَ الدكتور لا ليلتحق بوظيفةٍ حكومية، شانهُ في
ذلك شانُ الكثيرين من زملائه، ولكنه آثر أن يكونَ حُرّاً طليقاً، فاتّجه إلى
المحاماة، وفتجَ مكتبَهُ بالمنصورة لقُرْبها مِن قَرْيته، فراجَ له صيتٌ
قانوني، وأدّى رسالةً كأحسن ما يكون الأداء.
وقد كانَ الطالب في المدرسة الثانوية، ومدرسة الحقودتى (كما كانت
تسفى حيمئذ) لا يقْتصِر على التثقيف الدراسي، دون مشاركة جادّة في
معرفةِ ما يدورُ في مصر من الأحداث، إذ كانت انْباء الزعماء من امثال
(مصطفى كامل) و (سعد زغلول) و (قاسم امين) وأخبار (محمد عبده)
واتجاهه الإصلاحيئ تأخذُ بكثيرٍ من اهتمامِه الفكري، وإذا عُرِف عنه
اتصاله المباشر ب (احمد لطفي السيد) نظراً لصلتهِ بوالده وقرابتهِ من
(1) العطل الصيفية.
14

الصفحة 14