كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

الأسرة. فان لطفي السيد لم يكُن كل شيء في حياته في هذه المرحلة، كما
حَاوَلَ بعضُ الكتّاب أن يُقرّر ذلك، بل كان أثرُ هؤلاء الّذين تحدثتُ عنهم
اقوى من اثرِه، وإذا عُرِف هيكل في هذه المرحلة بكتابته في (الجريدة) الّتي
كان يصدرها احمد لطفي السيد، فإنّ اثر (المؤيّد) و (اللواء) كان واضحاً
في نفسه، وحديثه الرائع عن مصطفى كامل في كتابه (تراجم مصرية
وغربية) يدلُّ على مكانة هذا الزعيم في نفسه، وتأئيره في إشعالِ روح
الحماسة الوطنية لديه، وقد تحدث عن الشعور العام لدى المصريين يومَ
رحيله، بما يدلّ على شدة إعجابه بالزعيم الشاب، يقولُ هيكل بعد ان ذكر
قِطْعةً حارّة من رئاء قاسم أمين لمصطفى كامل كانت دموعاً تترقرق (1):
"لم يكن عجباًان يكتبَ قاسم أمين على هُدوء نفسه وحُسن تقديره
هذا الذي كتب، ولم يكُنْ عجباًان يحرك مصرَ من أقصاها إلى أقصاها
الحزنُ لوفاةِ الزعيم الشاب. فقد جاءَ به القَدَرُ في فترةٍ من فترات الحياة،
حين بدات الأمّة تنسى مظالمَ الماضي في عهد إسماعيل، وتشعرُ بشدّة
وطأة الحكم البريطاني الّذي قامَ على اساس من المصالج المادية. .
بعثَ القدرُ مصطفى كامل بشيراً بهذه الحاجات السامية، رفيعَ
الصوتِ، عاليَ الكلمة، طَلْق اللسان، قوي الجنان، يتغنّى لقومه بما
تشعرُ به نفوسهم في غوْر اعماقها، فكان طبيعياً أن يلتف الظماى حولَ هذا
الورد السائغ، يسمعون هذه الأناشيد التي تطْرِبُ نفوسهم، وتهزّ قلوبَهم،
ويجدُ فيها شعورهم الحبيس منفذاً ومُتنفّساً، لذلك كانَ جزاءً وفاقاًا ن
تحْزن مصرُ على زعيم الوطنية العظيم، مصطفى كامل، وكانَ حقاً أن يرى
قاسم امين في وَحدة هذا الشعور بفقد الزعيم الشاب وحدةً في الأمل
(1) تراجم مصرية عربية، ص 132.
15

الصفحة 15