كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

الصريح، ومهما يكنْ من شيءٍ فقد عوَّل الطالبُ القانوني على ان يؤدّي
رسالةً أدبيّةَ إلى جانب رسالتهِ المهنية، وأن يكونَ مبرّزاً في أدائها، وهذا
ما شهدتْ به اَثاره الحافلة في مستقبله الزاهر السّعيد.
عادَ هيكل إلى مصر، لا ليكونَ موظّفاً حكومياَ، فقد أبى ذلك على
نفسه، ولكن ليكونَ محامياً حرّاً، يكسب رزقه في عالم القضاء الواسع
دون تقييد، وكانت أسرتهُ القريبة من المنصورة تمدّه بما يساعدهُ على
السير في أول خطواته، ولكنّ اسمه تلألأ في عالمه الجديد، وكانَ يرافقه
في المهنة ذاتها صديقهُ المؤرّخ الأستاذ (عبد الرحمن الرافعي)، فكانا
يسهران بعد انقضاص العمل سهراتٍ ممتعة، يتجاذبان شؤون الحديث، لا
في المهنة المشتركة، بل في العملِ الوطني، حيث كان لكل منهما اتجاههُ
الخاص، فالرافعيئ تلميذُ (الحزب الوطني) يُخلصُ لمبادئه، ومحمد
حسين هيكل تلميذ (حزب الأمة) (1) يرى ان يُسالم الإنكليز حتى يستطيعَ
أن ياخذَ الاستقلالَ بالهوادة، مادامتْ قوّةُ الكفاحِ غيرَ مهيئةٍ في ظروفِ
ا لاحتلال الإنكليزي الرّهيب.
ثم حَدثَ ما جعلَ الدكتور هيكل يقومُ على تحرير (الجريدة) نائباً
لرئيس التحرير، حيثُ إن الأستاذ أخمد لطفي السيد تورّط في كتابةِ مقالِ
أثار غضبَ الجمهور، وقصة ذلك أنّ المصريين قاموا بالتبرّع المالي
لمعاونة ليبية حين غزاها الطليان، وضجّت المحافلُ السياسية في مصر
هاتفةَ بتاييد التبرّع الخالص بالمال لمن اعجزه أن يُسافِرَ ليكونَ جنديّاً
في الجيش، وقد سافر بالفعل أبطاذ كباز مثل (عبد الحميد سعيد)
(1) حزب يمثل الأعيان وكبار الملاك، ربط مصالحه بمصالح الإنكليز، وآصبح
يبرر ا لاحتلال، ويدعو إلى الفرعونية. (الناشر)
17

الصفحة 17