كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

يرتب حججه الدفاعية ترتيباً متناسقاً، وأسلوبه الأدبي يمدّه بتدفق جياش
تنساب معانيه انسيابَ الموج المندفع في المحيط، لذلك كان سعدُ
يرحبُ بلقائه، ويطيل نقاشه في (السياسة) وفي غير (السياسة) من
قضايا الاجتماع والأدب، وهيكل يرحب بلقائه، إذ يرى في تسلسل حديثه
المتشعب ما لا يجده عند زعماء حزبه، وما زال الفكرُ الأصيل صلةً أكيدةً
بين المفكرين الأصلاء، هان اختلفت وجهاب انظارهم، لأن المفكر
الأصيل لا يرحبُ بمن يؤيده في الحوار قدرَ ترحيبه بمن يعارضه، لأنّه
يجبره على التفكير، وينتقل به من حجةٍ إلى حجةٍ، وقد يُصحّح بعض
أفكاره، ولولا انَّ هيكل بمنزلة الابن سنّاً من سعد لقلتُ إن في لقائهما
ما يُعرَ! عند المؤرخين بصراع الأقران.
لقد أسندت رئاسة تحرير (السياسة) إلى الدكتور هيكل، ولم
يتجاوز الثلاثين بأمد طويل، وهو بهذه القيادة الصحفية مُلزم بالدفاع عن
تُهم توجّه إلى من ينطق بلسانهم، وقد يكون ذلك اكبر من مقدرة شخص
واحد مهما بلغ من الاقتدار، لأنه يسبح ضد التيار كما ذكرت، وكان
الدكتور يعرف حرجَ موقفه حين قال واصفاً شعوره تحو شعبيّة سعد
الكاسحة:
"لقد اُحيط سعد بعد عودته من المنفى بهالةٍ من جلال، امتزج فيها
الواقعُ بالخيال، وارتفعت باسم سعد إلى مستوى الأساطيو، كانتْ صحفُ
الوفد تروي أموراً هي الخرافةُ بعينها، لكئها كانت تجدُ من يصدقها من
الجماهير، قالوا: إتهم رأوا قرونَ الفولِ نابتةً في إحدى مديريات الصعيد،
وقد كتبت الطبيعةُ على بعضها عبارة (يحيا سعد) وقالوا: إن طبيباً دعا
غيره ليسمع صوت جنيق يقول في بطن أمه: (يحيا سعد)، وبذلك انتقل
النظر لِسَعْد إلى كونه نبي الوطنية المرسل من السماء، لا أنه زعيم سياسي،
35

الصفحة 35