كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

مارت في صدره، وأرادَ أن ينقس بعض ما يجد منها بما يريق على السطور
من إبداع، أما ذلك كله فقد عناه الأستاذ خليل مطران حين قال في بيان
الدكتور هيكل (1):
بيانٌ ما تشاءُ تصيبُ مِنْهُ سرورَ مُساهِم، وأَسَى قسيمِ
تزُور بهِ دياراً لم تَزُرْها مُلفاً بالمُقامِ وبالمُقيمِ
فتشهدُها وتعرِفُ ساكنيها كأئك في الديارِ من الصَّميمِ
وتستدْني الجنانَ مُنوراتٍ تفوحُ بهن اعرافُ النعيمِ
يلطّفُها وبالتلّطيف تزكو فتفضلُ كل طيبٍ في الشميمِ
وتفتقدُ الأسى من كل قلبٍ بحيثُ قرارةُ الجُرحِ الكليمِ
وتنظرُ في السراءِ والطوايا ممخصَةَ الحميدِ من الذميمِ
فلا تخفى عليك أدق شيءٍ يجولُ بخاطرِ العاني الكظيمِ
وترعَى ما النفوسُ به تناجَى بأخفتَ من مناجاةِ النسيمِ
هو الوصفُ العجيبُ ولست تلقى له وجهاً سوى الوجهِ القسيمِ
وكلام مطران دقيق المغزى، لطيفُ الإيماء، يحتاجُ إلى معاودة
تكشف بعيد مراميه، ولكنه بعد اجتلائه تصويرٌ لحقيقة هذا القلم الصناع.
واعجب ما راقني في تأملات الكاتب الكبير أته لا ينخدع بالمظاهر
البراقة فيما يرى من حضارة زائفة هي طابع أوروبة، فهو يسبرُ هذه الحضارة
في ضوء ما انتهت إليه من زلزال مدمر في حربيْن عالميتيْن، طاحت
بملايين الأرواح، ويؤكد أنَ الحضارة المادية هناك لا تصلحُ للشرق! هذا
العالَم الذي اهدى للإنسانية رُسلَ الله، وارتفعَ بالإنسان عن ممهواتِ المادة
(1) ديوان مطران: 3/ 174.
46

الصفحة 46