كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

الضيقة إلى رحابة الروح في سبْحها المؤمن البصير.
ويعيبُ على هؤلاء الذين جعلُوا الغرب مهوى نفوسهم، وموطنَ
احتذائهم لما يعشقونه من جَواذب المادّة، وطماعية الشهوة، وإغراء
الجنس، يقول الدكتور هيكل في صدق مؤثر (1!:
"ما عسَى أن يكونَ المثل الأعلى؟ أعتقدُ أن الشوقَ ضل طريقه في
هذه العصور الأخيرة، متأئّراَ بتعاليم الغرب، فأصبجَ مثله الأعلى ماديّاً،
يحسبُ حرّيته في أن ينالَ الجسمُ وأن تنالَ الشهواتُ كل مبتغاها، وقد يكون
للبيئة الطبيّعية في الغرب، ما يدفعُ إلى التطلع إلى هذا المثل الأعلى، لكن
بيئة الشوق الطبيعيّة، وتاريخه منذ العصور الأولى، وتاريخَه بنوع خاص
منذ انتشرت الحضارة الإسلامية في رُبوعه، يجعل هذا المثل الأعلى الذي
يتخذه الغرب أمامَه دون ما تتطلع إليه النفسُ الشوقيّة، فهذه النفسُ تؤمن
بوحدة الوجود، وترى في هذه الوحدة وا لاتصالِ بها غاية ماترجو، ولذلك
كانت امثال هذا الشوق تجري بأنَّ من اعتزّ بغير الله ذل، ومن افتقر لغير اللّه
هان، ولا تعرف شيئاً في الحياة يُعادل تقوى اللّهِ؟ ".
ووحدةُ الوجود التي يشيرُ إليها هيكل ليست هذ 5 الوحدة المعروفة
عند المتصوّفة، فهي سفسطة كاذبة، لا تؤدي إلاّ للباطل الزائف من
الشطحات! أمّا الوحدةُ التي يَعنيها فهي انتظامُ الكونِ في نسقٍ رتيبٍ من
الإبداع الإلهي، وخضوعه جميعه لسيطرة فاطرِ السماواتِ والأرض،
وهذا إيجازٌ يحتاجُ إلى إسهابٍ، قد يجد موضعه في غير هذا السياق.
وفي هذا الأفق الرحيب، اندفعَ الدكتور هيكل في مقالٍ تالٍ،
(1) مجلة الهلال، 1/ 1 1/ 933 ام.
47

الصفحة 47