كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

للحديث عن اوهام الغربِ، حين راى فلاسفته أن عبادة الطبيعة تُنزِلُ
الأمنَ على النفوس، ثم بدا لهم أن يتجهوا إلى عبادة المادة الاقتصادية،
فزادت حياتهم دماراً وفساداً، ولم يُفد الحل الاشتراكي شيئاً في علاج
ما نلمسُه من بؤس وشقاء! هنا بعدَ خيبة هؤلاء وأولئك، ذَهبَ بعضُ
الأوروبيين أنفسهم إلى الشرق، يلتمسون الهداية في ضوء شمسه.
يقول الدكتور هيكل (1): " إنّ النفسَ في حاجةٍ إلى الرخاص في غذائها
الفكريّ والعاطفيّ، كحاجة الجسم إلى شيءٍ من النعيم في حياته الماديّة،
لذلك اندفعَ فلاسفة الغرب وكتابه وأدباؤه يلتمسون هذا الغذاء النفسيئَ في
أديان الشرق، وصُور الإيمان فيه، والأدبُ بوصفه مظهراً للحضارة،
لا غنى له عن تجلية جانب الإيمان في النفس، كما يجلُو جانبَ العواطف
المختلفة، ولا غِنَى له عن ان يُحللَ هذا الجانب، ويصفَ أثره في الحياة،
وجانبُ الإيمان في بلاد الشرق العربي قوفيٌ ايّاً كان الدينُ الذي يدين به
الشرقتون، وقد كانَ الإسلامُ وما يزالُ دينَ اهلِ هذا الشرق العربي، إلا
الأقلين منهم، فلا يمكنُ أن يؤدي الأدبُ رسالته إذا أهملَ هذا الجانب
القوىَ من جانبِ حياة الشرق العربي.
ولم يكن ذلك الخاطر لدى الدكتور هيكل خاطراً عارضاً، بل كان
خاطراً مِلحاحاً، كتبه في مقدمة كتابه (ئورة الأدب) ثم كررَه في خاتمة
الكتاب بإشباعٍ وإمتاعٍ! وكان ذلك كله قبل أن يظهر للناس كتابُه الخالد
(حياة محمد) فهل كانت هذه الخواطرُ الشريفة بعضَ البواعث الدافقة إلى
تأليف هذا الكتاب العظيم، لأن صاحبَ السيرة المطقرة، أرقى نموذجٍ
بشرى للإسلام!
(1) ثورة ا لأدب، ص 2 1، ا لمقدمة.
48

الصفحة 48