كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

وعلى هذا الوتر المؤمن تَوالَى الإيقاعُ الشجي في مقالات كثيرةٍ
للدكتور هيكل لم يجْمع كثرها في كتب مستقلة، ولكتها تفرّقت في أنهار
الصحف والمجلأت، ومن اهفها ما كتبه في مجلة الهلال (فبراير سنة
934 ام) تحت عنوان (ما وراء المدنية الحديثة) حيث ابانَ عن خلوِّ هذه
المدنية هن طُمانينة النفس، وسكينة الروح، واعلنَ يأسَهُ من ان يكونَ
الغربُ في إطار هذه المدنية عاملَ سكينةٍ واطمئنانٍ، إنّما الشرقُ بمُفلى
الدينية هو الأملُ المنتظرُ، لأثه مهدُ الأنبياء، ومطلع النور.
وإنّ ما كتبه الدكتور هيكل في هذا المجال جديز بالذيوع، فالعالم
الاَن يعيش اقْسى فترات التحفل الخلقي، تحلّلاً لم تخجل فيه مؤتمراتُ
المراة إذ تبيح الشذوذ الجنسي (اللواط) وتجعل منه أمراً مشروعاً! فأى
ارتكاسٍ وَضيعٍ انتهى إليه هذا العبثُ الواضجُ الفاضج!
وقد ارتحل الدكتور هيكل إلى جوار ربه، قبل ان ينتشرَ هذا الوباء!
فكيفَ به إذا عاش حتى تفجاه هذه الموبقات!!
بقي ان اتحدثَ عن مقدرة الكاتب في تحليل الشخصيات التاريخيّة
المعاصرة، إذ له اتجاه متميز يسوق الحقائق في نمطٍ من التحليل المقتدر،
مع اتساع الصدر للنظر المخالف، ومحاولة الردّ عليه في احترامٍ تفرضه
الحقيقة العلمية ذاتها، قبلَ أن تفرضه اَداب البحث والحوار، وله رحمةٌ
حانية على مواقف الضعف الإنساني، التي لا يخلو منها بشر، إذ عهدنا
بكثير من الكاتبين ان يتلمسوا موضِعاَ من مواضع الخطأ، ليَنْهالوا على
صاحبه طعناً وتجريحاً، وكاتهم تجاهَ عدؤ لدود، ولستُ أدعو إلى تجئب
الحديث عن الأخطاء، فهذا ما يَحيفُ بحق التاريخ، ولكني ادْعُو إلى
عرض الخطأ في ظُروفه وملابساته، دون افتعال في اختلاق التبْريرات
49

الصفحة 49