كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

يُجْبى إليه المالَ دون حساب فوق ما ينعمُ به من ميراثِ أبيه معَ ما يُقز به
عارفوه من نبل ترقعه، وشدة إبائه؟!
لقد عز على هؤلاء ذُيوع كتاب (حياة محمد)! م دون ان يملكوا
من النقد العلمي النزيه ما يضائل من لاَلائه، فكان قصاراهم ان يتركوا
الكتاب الرائع إلى اراجيف يعرفون قبل القراء مبلغ تهافتها الوضيع! ".
وها أنذا اتابع حياة هيكل الثقافية متابعةَ واعيةً، لنعرف كيف انتقلَ
من اتجاه إلى اتجاه، بل لنعرفَ كيف كان صادقاً أميناً حين آئرَ اتجاهاً على
اتجاه، وفي ذلك رذٌ قاطعٌ على مِن يُلْبس الأشياء غير أثوابها، فيتعلل
بالكسب المادي تارةَ، وبحمث الاشتهار تارةَ أخرى، وهو يعلمُ في اطواء
نفسهِ أنه يختلِقُ القول اختلاقاَ، إذ بدت البغضاء منه مُترجمةً فيما قال،
مترجمةَ عن صدْر محترق، وباطن دخيل.
لقد ذهب الدكتور هيكل إلى فرنسة في أوائل هذا القرن بعدَ ان أتئم
دراسته في مدرسة الحقوق بمصر، وكانَ بريقُ الحضارة الأوروبية حيمئذٍ
يخطفُ ابصارَ كثير من الشباب المسلم، إذ ينظرون فيجدونَ دُوَلهم
الإسلامية ترزح تحت نير ا لاستعمار، وقد جُنّدت الأقلامُ المأجورة لتصِفَها
بالتاخر والغفلة والجهل، ولتجْعلَ الإسلام وحدهُ علّةَ العلل في تأخر هذه
البلاد، إذ هو في زعمهم عدؤ العقل، وموطنُ الخرافة، وذو شريعة بدوية
قاسية، لا تلائم عُهود الحضارة والتمدن، فهي إذن العقبة الكاداء في كل
إصلاع يُراد، أما الغرب بحضارته وفلسفته وحريته فهو في رايهم قائدُ
الإنسانية الحقيقي، وباريسُ مدينة النور، قِبْلةُ هذا التقدم، إذ هي صاحبة
الوعود الأولى إلى الحرتة والإخاء والمساواة! وهيكلُ الشاب يقراُ ذلك،
وينظرُ فيما حوله ببارش!، فيتأئر بما يقرا، ويندفعُ بقلمه إلى تمجيد
55

الصفحة 55