كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

(علي بن ابي طالب) كرم الله وجهه كتاباً براسه كما فعلَ مع سابقيه.
وكيلا يظن القارئ اننا نستنتج القول استنتاجاً شخصياً، دون ا ن
تكونَ مُقرّراتهُ واقعاً ملموساً من حياة الدكتور هيكل، فإني أتركهُ يتحدث
عن نفسه حين يقول رداً على من يخفى عليهم جوهر الحضارة الإسلامية،
فيتخثطون في اتجاهاتٍ تتعارض وتتصادم، وذلك نقلاً عن مقدمته الرائعة
لكتابه (في منزل الوحي) (1):
"لقد حاولتُ انْ انقل إلى ابناص لُغتي ئقافةَ الغَرْب المعنوثة، وحياته
الروحية، لنتخذها جميعاً هدًى ونبراساً، لكني ادركتُ اني بعد لأيٍ أضعُ
البذر في غير منبته، فإذا الأرض لا تتمخّض عنه، ولا تبعث الحياة فيه،
وانقلبْتُ ألتمس فىِ تاريخنا البعيد، في عهد الفراعنة موئلاً لوحي هذا
العصر، ينشئ فيه نشأةً جديدة، فإذا الزمنُ، وإذا الركود العقليئَ، قد قطعا
ما بيْننا وبين ذلك العهد من سبب قد يصلحُ بذراً لنهضة جديدة، ورؤيت
فرأيتُ انّ تاريخنا الاسلامي هو وَحده البذرُ الذي ينبت ويثمر، ففيه حياة
تحرك النفوس، وتجعلُها تهتز وتربو، ولأبناءِ هذا الجيل في الشرق نفوسٌ
قوية خصبة تنمو فيها الفكرة الصالحة لتؤتي ثمرها بعد حين ".
لقد اجملَ الرّجلُ تاريخ نضاله الفكري في خطوات ثلاث، وضحها
تمامَ الوضوح، وبيّن اثر كل خطوة في نفسه، وما انتهى إليه من سيرٍ هادٍ
مستقيم.
لقد كان كتابُ (حياة محمد) وماتلاه من كتب الشخصيات
الإسلامية، فاتحةَ سْيلٍ دافقٍ من الكتب التاريخية تنحو منحى المؤلف
(1) في منزل الوحي، ص 4 2.
60

الصفحة 60