كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

" وطه يذكرُ انّه دُفع لإحياء هذه الأساطير دفعاً لم يكن للإذعان له من
بد، ذلك انً هذه الخطوة من خطواتِ تطور النفس خطوةٌ طبيعية كان
مُحالاً مغالبتها، أو التغلب عليها، ويجبُ ان نذكرَ أن هذا الدافع قد بلغَ
من القوة ما لا يستطيع احد من الناس مقاومته، فهو كما رأيتَ قد خطا في
هذا الكتاب مِن تحقيق العلم الذي ظلّ عليه عاكفاً سنين إلى اَدب الأسطورة
الميثولوجئة في حياة ا لعرب، وفي سيرة ا لنبي ع! يم، وهو إذا خَطَا هذه ا لخطوة
يعلمُ ان كثيراً من هذه الأساطير التي تُروى إنما هي بعضُ الإسرائيليات،
التي روجَها اليهود بعد عصر النبي جمي! متأثّرين بحقدِهم على محمد ء! ر
لأنّه حاربهم، واجلَى الأكثرين منهم من ديار العرب. ومقدَ بذلك لإجلاص
البقيّة الباقية بعد زَمن قصير من وفاته، متاثرين بحفيظتهم على المسلمين
حفيظةً جعلتهم يروّجون الألوف من الأحاديث المكذوبة على النبي -!،
ومن القصص التي تُنافى تعاليمه منافاةً صريحةً، فما عسَى يكون هذا
الدافع القوي الذي دفع طه حسين إلى هذا التطّور فلم يجدْ بدّاً من الإذعان
ومن صياغة هذه الأساطير في الصور البديعة الرائعة التي تنفس بها كتابة
الأخير؟!!
إن ادب الأسطورة هو أخصبُ ألوان الأدب، ويزيدها خصباًا ن
القارى والكاتب يعرفان معاًان المادة التي تُعالَجُ هي من نوع الأسطورة،
فلا جُناحَ إذا اطلقا للخيال فيها العنان، وابتدع الخيالُ ما يزيدُ هذه الأساطير
رقةً وعذوبةً، لاتَحولُ عن المثل القائل: " اعذبُ الأدبِ أكذبُه " بأي حائل،
لذلك استسمح طه العُذرَ إن خالفتُه في اتخاذ النبيّ لجيم وعصره مادةً لأدب
الأسطورة. . . والنبيّ لجيم وسيرته وعصره مما تتصلُ بحياة المسلمين
جميعاً، بل هو فلذة من هذه الحياة، ومن اعز فلذاتها، وطه يعلمُ اكثر
70

الصفحة 70