كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

يقول الكاتب: ومن اجل ذلك كان خليقاً بكلّ مَنْ يتصدّى للبحث
في مثل موضوعه ان يتوخه به إلى الإنسانية كلها، لا إلى المسلمين
وحدَهم، فليست الغايةُ الصحيحةُ منه دينيةً محضةً كما قد يظن بعضهم،
بل الغاية الصحيحةُ أن تعرف الإنسانية كيف تسلُك سبيلها إلى الكمال
الذي دئها محمد - كم! م - على طريقه، وإدراك هذه الغاية غيرُ ميسورِ إذا لم
يهتد الإنسان إلى هذا السبيل بمنطق عقله، ونور قلبه، راضي النفس بهذا
المنطق، مُنْشَرِحَ الصدر إلى هذا النور، لأنّ مصدرهما المعرفة الصحيحة
والعلم الصحيح (1).
وإذا كانت الغايةُ من الكتاب - لدى المؤلف - أن تعرف الإنسانيةُ
كيف تسلك سبيلها إلى الكمال الذي دلها محمد - لمجي! - على طريقه، فهو
في مخاطبة الإنسانية جميعها - لا المسلمين فقط - يميل إلى الاستدلال
بالمنطق العقلي وحده، فيترك الاسترسال في حديث المعجزات الكونية،
لا لأنه لا يؤمن بها، بل لأنّه يخاطب من لا يؤمنون بالإسلام بمنطق العقل
الذي يأبى التسليمَ بالخوارق (2).
وإذا كان القراَن وحده هو الحجة العفلية أمامَ من يفكرون، فإن
الاكتفاء به في مواجهة غير المسلمين مما يلزمهم كلَّ إقناع صادق متى
سلمت النفوس من الأكدار، وتعرت العقول عن غشوات الأغراض!
واللجوء إلى الحجة العقلية وحدَها أمام من لا يدينون بالإسلام هو
أقربُ طريق للإقناع.
__________
(1) حياة محمد، ص 52 طبعة ثانية.
(2) الخوارق التي تحدث على أيدي الأنبياء تسفى معجزات، وهي جائزة عقلاَ.
(الناشر)
82

الصفحة 82