كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

الرائعة، أو مناحي الإنسانية الناهضة بشتى الأعباء والالام، فإنَّ تفكيره
الرصين قد ألزمه بإبداع الحجج الفاصلة، والبراهين النافذة، يسوقها
هادئة دون صخب او انفعال.
وقد اختص الفصل الأول بالحديث عن بلاد العرب قبل الإسلام
طبيعةً وتاريخاً، وتجارة ومعتقدات، كما أحسن توضيحَ العلاقات
السياسية بين شبه الجزيرة وما يجاورها من الممالك والشعوب.
وفي الفصل الثاني تحدّثَ عن مكة والكعبة وقريش حديثا تلاءمت
عناصره أكمل التلاؤم، واتسعت دائرتُه حتى شملت ما يتطلبه الموقف من
نقاط تاريخية توغِلُ في القديم من ناحية، وتمضي إلى الحاضر من ناحية
ثانية، وحين ألمّ بقصّة ذهاب إبراهيم إلى مكة مع ولده إسماعيل وأمه
هاجر، عرض لما ارتاب فيه المتشككون بشأنها، وهي قضية أثارت
عجاجة مضطربة حين ردّدها الدكتور طه حسين في كتاب (مع الشعر
الجاهلي) نقلأ عن (مرجليوث) و (وليم موير) وغيرهما ممن أرادوا ا ن
يكذِّبوا ما قاله القرآن بغير علم ولا هذى!! وقد ناقشها الذين نقضوا كتاب
(مع الشعر الجاهلي) مناقشة حاسمة في صفحات طوال، ولكنّ الدكتور
محمد حسين هيكل قد اهتدى إلى الحق في سطور قليلة أجهزت عليها بما
لا يدعُ مجالاَ للارتياب، فقال في وضوح (1):
" يرتابُ السير (وليم موير) في ذهاب إبراهيم وإسماعيل إلى الحجاز،
وينفي القصة من أساسها، ويذكر أنّها بعض الإسرائيليات التي ابتدعها
اليهود قبل الإسلام بأجيال ليربطوا بينهم وبين العرب بالاشتراك في أبوة
(1) حياة محمد، ص 89.
86

الصفحة 86