كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

إبراهيم لهم اجمعين، إذ كان إسحاق عليه السلام أباً لليهود، فإذا كان
أخوه اباً للعرب، فهم إذن أبناء عمومة توجبُ على العرب حُسْنَ معاملة
النازلين بينهم من اليهود، وتُيسر السبيلَ لتجَار اليهود في شبه الجزيرة.
ويستند المؤرخ الإنكليزي في رأيه هذا إلى انَّ أوضاع العبادة في
بلاد العرب لا صلةَ بينها وبين إبراهيم عليه السلام، لأئها وثنية مغرقة في
الوثنية، وكان إبراهيمُ عليه السلام حنيفاً مسلماً، ولسنا نرى مثل هذا
التعليل كافياً لنفي واقعة تاريخية، فوثنية العرب بعد موت إبراهيم
وإسماعيل - عليهما السلام - بقرونٍ كثيرة لا تدكُ على أنهم كانوا كذلك
حين جاء إبراهيم عليه السلام إلى الحجاز، وحين اشترك وإسماعيل عليه
السلام في بناء الكعبة، ولو أنها كانت وثنيةً يومئذ. لما أيد ذلك راي السير
(موير)، فقد كان قوم إبراهيم - عليه السلام - يعبدون الأصنام، وحاول
هو هدايتهم، فلم ينجج، فإذا دعا العرب إلى مثل ما دعا إليه قومه ولم
ينجج، وبقي العربُ على عبادة الأوثان، لم يطعنْ ذلك في ذهاب إبراهيم
وإسماعيل - عليهما السلام - إلى مكة، بل إنَّ المنطقَ ليؤيد رواية التاريخ،
فإبراهيم - عليه السلام - الذي خرج من العراق فاراً من اهله إلى فلسطين
وإلى مصر، رَجُل اَلِفَ الارتحال، وألف اجتياز الصحارى، والطريق
ما بين فلسطين ومكة كان مطروقاً من القوافل منذ اقدم العصور، فلا محل
إذنٍ للريبة في واقعة تاريخية انعفد الإجماع على جملتها.
والسير (وليم موير) والذين ارتأوا في هذه المسالة رايه يقولون
بإمكان انتقال جماعة من ابناء إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - بعد
ذلك من فلسطين إلى بلاد العرب، واتصالهم وإياهم بصلة النسب،
وما ندري وهذا الإمكان جائز عندهم في شان أبناء إبراهيم وإسماعيل
87

الصفحة 87