كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

أوضحنا من غير لبس إعجابنا بالتحليل الأدبي الرائع في كتاب
(حياة محمد) - صلى الله عليه وسلم - ولا بد أن يقفَ القارئ على بعض النماذج، ولا إخاله
سيتعبُ حين يجدني أنقل بعض ما قال، فهو الكاسب حقاً، إذ يستمع إلى
(هيكل) الأديب البارع يحدّثه عن تامل الرسول! كنَم! م في صدر شبابه
- (1)
ليمول: " ومما زاده انصرافاً إلى التفكير والتأمل اشتغاله برعي الغنم
سنيئ صباه تلك. فقد كان يرعى غنم أهله، ويرعى غنم أهل مكة، وكان
يذكر رعيه إياها مغتبطاً، وكان يقول: "ما بَعَثَ الله نبياً إلا رعَى غنماً،
وبُعئتُ وانا ارعى غنم اهلي بأجياد"، وراعي الغنم الذكي القلب يجد في
فسحة الجو الطلق أثناء النهار، وفي تلألؤ النجوم إذا جن الليل موضعاً
لتفكيره وتأمله، يسبحُ معه في هذه العوالم، ويبتغي ان يرى ما وراءها،
ويلتمس في مختلف مطاهر الطبيعة تفسيراً لهذا الكون وخلقه، وهو يرى
نفسه ما دام زكي الفؤاد، عليمَ القلب بعض هذا الكون غير منفصل عنه،
أليس يتنفس هواءه ولو لم يتنفسه قضى؟.
أليست تحييه اشعةُ الشمس، ويغمره ضياءُ القمر، ويتصل وجودُه
بالأفلاك والعوالم جميعاً؟ هذه الأفلاك والعوالم التي يراها في فسحة
الكون أمامه متصلاً بعضُها ببعض في نظامٍ محكم " لَا اَلشَتسُ يَنبَغِى لَهَاَ أَن
تُدرِكَ اَثقَمَرَ وَلَا ألًلُ سَابِقُ ألخَهَازِ" اسورة يسَ: 0 4).
وإذا كان نظام هذا القطيع من الغنم أمام محمد مجنًرِو يقتضي انتباهه
ويقظته حتى لا يعدو الذئبُ على شاة منها، وحتى لا تضل إحداها في
مهامه البادية، فأي انتباهٍ وأية قوة تحفظ على نظام العالم كل احكامه؟!
(1) حياة محمد، ص 16 1.
89

الصفحة 89