كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

وهذا التفكير والتامل من شأنهما صرف صاحبهما عن شهوات الإنسان
الدئيا، والسمو به عنها، بما يبديان من كاذب زخرفها، لذلك ارتفع محمد
ع! ي! في اعماله وتصزفاته عن كل ما يص! نُ هذا الاسم الذي أطلق عليه بمكة
وبقي له، وهو (الأمين).
ثم يقولُ الدكتور هيكل متابعاً حديثه: "إنَ حياة التأمل والتفكير
وما تستريجُ إليه من عمل بسيط كرعي الغنم، ليست بالحياة التي تدرُّ على
صاحبهما اخلاف الرزق، وتفتح امامه أبواب اليسار، وما كان محمد لمجي!
يهتم لذلك أو يُعنى به، وقد ظل حياته اشد الناس زهداً في المادة، ورغبة
عنها. وما إقباله عليها، والزهد فيها إلأَ بعضُ طبعه، وكان لا يحتاج من
الحياة إلى أكثر مما يقيم صلبه، اليس هو القائل:
" نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا اكلنا لا نشبع "؟ اليس هوالذي
عُرف عنه كلّ حياته حرصه على شطف العيش، ودعوة الناس إلى خشونة
الحياة؟ والذين يتوقون إلى المال، ويلهثون في طلبه، إنما يبتغونه لإرضاء
شهواتهم ا، ولم يعرف محمد لمجي! طوال حياته شيئاً منها، واللذة النفسية
الكبرى لذة الاستمتاع بما في الكون من جمال، ومن دعوة إلى التأمل،
هذه اللذة العظيمة لا يعرفُها إلا الأقلون، والتي كانت لذَةَ محمد! ك! منذ
نشأته، ومنذ ارته الحياة في نعومة اظافره ذكريات بقيت مطبوعةً في نفسه،
داعية إلى الزهد في الحياة، واُولاها موتُ أبيه، وهو ما يزال جنيناً، ئم
موت امه وموت جده! هذه اللذة ليست في حاجة إلى ثروة من مال، صمان
تكن في حاجة إلى ثروة إنسانية طائلة، يعرفُ الإنسان معها كيف يعكف
على نفسه، ويعيش بها وفي دخيلتها، ولو أنَّ محقداً ع! ي! تُرك وشأنه يومئذٍ
لما نازعتْه نفسُه إلى شيءٍ من المال، ولظلّ سعيداً بهذا الحال، حال الرعاة
90

الصفحة 90