كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

المفكرين الذين ينتظمون الكون في انفسهم، والذين يحتويهم الكون في
حبة قلبه " (1).
يا الله! كم لهذا التحليل الرائع من امثال يراها القارئ في اماكن كثيرة
متصلة من الكتاب، يراها عند وقفة الكاتب لدى قول ابي طالب لابن أخيه،
ص 143: "ابْقِ عليئَ وعلى نفسِك ولا تحفلني ما لا اطيق"، إذ ينشط
القلم السيال ليتحدّث عن هذه الوقفة التاريخية، التي يخشعُ الوجود لها،
منتظراً ما تقوله شفتا الرسول ع! ي!، أيقصر عن مقاومة الباطل فتطغى
المجوسية، وتتجبر الوثنية، أم يهتف بعزيمة الإيمان، ليحرر العقول من
اسر الأوهام، فليؤد رسالته، ولخير له أن يموتَ مؤمناً بالحق من أنه يعيش
ساكتاً عن الباطل، لفد التفت الرسول! مم قائلاً لعمه: " والله لو وضعوا
الشمسَ في يميني والقمرَ في يساري على ان أتركَ هذا الأمرَ حتى يظهِرَه الله
او اهلِكَ دونه ما تركتُه ".
يقول الكاتب: لقد اهتز ابو طالب لما سمع، ووقف مبهوتاًامام
هذه القوة القدسية، والإرادة السامية فوق الحياة، وكلّ ما في الحياة،
وقام محمد مجنَوقد خَنقته العبرةُ مما فاجأه به عمه، وإن لم تدرك نفسُه
خلجة ريْب في السبيل الذي يسلك، ولم تكن إلا لحظة اهتزّ فيها وجودُ
ابي طالب متحيراً بين غَضْبة قومه، وموقف ابن أخيه، حتى نادى محمّداً
لمجي! انْ أقبل، فلفا اقبلَ قال له: "اذهب يا ابن اخي فقل ما أحببتَ، فواللهِ
لا أسلمُك لشيءٍ تكرهُه أبداً".
ويرى القارئ امثالَ هذه الوقفات الرائعة حين يتحدث عن قصة ابن
(1) حياة محمد، ص 18 1.
91

الصفحة 91