كتاب محمد حسين هيكل الأديب السياسي المؤرخ ورائد الكتابة

أئم مكتوم، وانصرافِ الرسول جمي! عنه إلى كبراء قريش طامعاً في إسلامهم،
وطرحهم الجمود البالي فيتساءل (هيكل)، ص 171: احقاً إن السنين
تُنسِي النفوس جمودها ومحافظتها على القديم البالي؟ إنما يكون ذلك
عند الممتازين ممن تنزع نفوسهم للكمال، فما يزالون يقلّبون الحقائق
التي اَمنوا بها من قبلُ، لينفوا ما يعلق بها من زيف بالغةً ما بلغتْ تفاهته،
وهؤلاء كأنَّ قلوبهم وعقولهم بوتقة دائمة الغليان، تقبل كلَّ جديدٍ من
الراي يلقى إليها، فتصهره وتطهره، وتنفي خبثه، وتستبقي ما به من خير
وحق وجمال، وهؤلاء يلتمسون الحقَّ في كلِّ شيء، وفي كلّ مكانٍ وعلى
كل لسانٍ، بيد انهم في كلِّ امةٍ وعصرٍ همُ الصفوة المختارة، وهم لذلك
قلة ابداً، وهم يجدون الخصومة ناشبة على أشدها بينهم وبين ذوي
السلطان، إذ يخافون من كلَ جديدٍ ان يجني على سلطانهم، ثم يستعدون
السوام بتقديس الصروح التي نخرَ فيها السوس على من يدعو إلى الحق
الصريج، والسوام ينصرونهم إذ ينظرون إلى أرزاقهم التي في أيديهم،
ولا يسهل عليهم ان يعلموا ان الباطل قريبُ الأمدِ، وأنَّ الحقَّ على وشك
البزوغ.
وقد يتحفّظ بعضُ النقاد على الإسهاب في هذا التحليل، لأن نفسية
الرسول مج! يم لا يصل إلى استشفافها إ لا مَنْ رُزق إحساسه! وأين هو؟!!.
فاذا تركنا تحفظنا الحذر على بعض التحليلات النفسية، التي
سجلها المؤلف الكبير إلى تحليلاته الاجتماعية او السياسية فإننا لا نرى
سوى الإعجاب المطلق بما يُبديه الكاتب من عمقٍ دقيق في فهمه الصحيح
للأحداث، والغوص على فلسفة عامة تنتظم مجريات الأمور انتظاماً
طبيعياً لا نشازَ فيه.
92

الصفحة 92