والدعوة إلى استحياء الغريب من اللغة، هي دعوة بحق في موضعها،
لأن هذا الغريب من صميم اللغة، والدعوة إلى هجره والتجافي عنه ليست
من البرِّ بهذه اللغة الشريفة، بل هي عدوان عليها، وتحيّف لشَطْرِ كبيرِ منها،
فالألفاظ التي ينكرها بعض أهل زماننا لا توجد في النصوص ا لأدبية فقط،
بل توجد في كتب الأنساب والتاريخ والجغرافية والفلك والطب والزراعة.
وإنْ نحن اخذنا بتبنّي لغة دارجة كالتي تُقرأ في الصحافة ووسائل ا لإعلام،
فإ ننا سنهدم أغلب اللغة، ونفقد ا لأساليب اللغوية ا لأدبية ا لرفيعة.
ويُرجع الطناحي هجر الناس لهذا الغريب إلى سببين:
أولهما: عدم معرفتهم بكثير من هذا الغريب.
واَخرهما: خلطهم بين الغريب في اللغة والغريب في البلاغة، فهذا
الأخير هو الكلام الحوشي المستكره أصواتأ ودلالة.
ويرى الطناحي أن اللغة ليست للتفاهم وقضاء المصالح فقط، وإلا
لكان القدر اللازم لنا منها محدوداَ جداَ، ولكان الذي يعرف خمسمئة
كلمة إنكليزية تلبي احتياجاته في متاجر لندن وشوارعها عالمأ باللغة
الإنكليزية (1).
وللطناحي احتفالٌ زائدٌ في اللغة وغريبها، فعند تحقيقه كتب اللغة
والنحو والأدب كان يعمد إلى صنع فهرس خاص باللغة.
اما النحو فهو دِعامةُ العلوم العربية وقانونها الأعلى، منه تستمدُّ
العون، وتستلهم القصد، وترجع إليه في جليل مسائلها، وفروع تشريعها،
(1) مستقبل الثقافة العربية، ص 38 - 2 4.
25