كتاب محمود الطناحي عالم العربية وعاشق التراث

والطناحي - أحسن الله إليه - لا يغار على اللغة بنحوها وصرفها
وتركيبها فحسب، وإنما يغار على بحور الشعر، فهو يرد على بعض الذين
يصفون بحر المنسرح بأنه بحر قليل الاستعمال لأن فيه عنتأ ومشقة، وقد
قلّ النظم عليه، وكاد يُهجر لاختلاف موسيقا 5 عن جنس الموسيقى
الشائعة الأوزان، وتنبأ بعضهم بأنه سينقرض من الشعر في مستقبل ا لأيام،
فيقول الطناحي راداَ: " وهذا كلام من لا يرتاح إلى هذا الوزن، وينفر منه
بطبعه، فيجعل من ذوقه الخاص حكمأ عامأ، ثم هو كلام يُرسَل إرسالاً،
دون مراجعة أو إحصاء، فإن النطم على هذا النحو شائع في الشعر
الجاهلي، وفيما بعد 5 إلى يوم الناس هذا، وإن لصديقنا الشاعر عبد اللطيف
عبد الحليم (أبو همام) أُنسأ بهذا البحر وولعأ به، وقد أنشأ ديوانأ أداره كله
على هذا البحر، وسماه: (من مقام المنسرح) ثم هو لايزال يتعاهده في
شعر 5 بين الحين والحين.
فأنت ترى الطناحي في هذا النص يحرس حتى بحور الشعر العربي
من أن يسال من أصالتها واستمرارها باستمرار هذا اللسان العربي نائل،
مهما كان صادق القصد في نقده، وهو لايكتفي في الرد عليه بذكر رأيه
الشخصي، ولكنه يحشد لذلك ما حفظه من ديوان الشعر العربي من قديم
العصور واوسطها وحديثها على نحو ما ترى في مقالته التي شرح فيها
قصيدة العباس بن عبد المطلب في مدح رسول اللّه ع! يِد (1).
3 - الطناحي محققاَ:
تحقيق النصوص علم له قوانينه وأعرافه ومصطلحاته وأدواته، وله
(1) مستقبل الئقافة العربية، ص 4 12 - 138؟ محمود الطناحي، ذكرى لن تغيب،
ص 02 2.
28

الصفحة 28