كتاب مصطفى السباعي الداعية الرائد والعالم المجاهد

وبالمقابل، كثيراَ ما نجد انتصار القلب والعاطفة على العقل، يؤدي إلى
شقاء ما بعده شقاء، وضرب مثلاَ بانسان حين يريد أن يسكر، ينهإه عقله عن
السكر، لأنه مضر، ولكن عاطفته، وقلبه، وهواه 0. هي التي تدفعه إلى السكر،
وبذلك يشقى. وكذلك المقامر، وأكل الطعام الذي منعه الطبيب من أكله
لضرره، والمجرم. .
وهذا الذي نراه لدى الأفراد، نرى مثيله لدى الجماعات، ففي حياة
الجماعات امور تفعلها، وتخالف بها عقلها، ولكنها راضية سعيدة بها، مطمئنة
إليها، كالجهاد في سبيل الله، او الوطن، أو الكرامة، أو الاستقلال، فالجهاد ا ن
تندفع الأمة لتقدم شبابها دفاعاً عن الوطن، والحق، والدين، والكرامة، وهذا
في حكم العقل سخافة. . لماذا يقتل الإنسان نفسه ليعيش مجتمعه؟ ولكنه في
نظر القلب فضيلة. . وكذلك الأمر في الحكم والحكومة، وفي السياسة، فلو
حكم السياسي عقله لقال له: لماذا تتعب نفسك؟ لماذا تشقي زوجتك وأولادك؟
لماذا تعرض نفسك للسجن؟ لماذا تسجن والناس احرار؟ لماذا تشرد والناس
الذين شردت من أجلهم مقيمون في أو طانهم؟ هم أحرار وأنت سجين. هم احياء
وأنت تقتل. إن هذا منتهى ا لجنون في حكم العقل. 0 ولكن السياسيين المصلحين
لم يستجيبوا لحكم العقل، بل استجابوا لحكم القلب الذي يطلب من كل من اَتاه
الله غيرة في امته، أن يقوم بواجب الإصلاح والدعوة، وفي استجابتهم هذه لنداء
القلب، كل الخير للقلب وللجماعة وللمصلحة. . وكذلك المخترعون الذين
يقدمون كل ما يملكون في سبيل تجربة علمية، ما توا فقراء من أجل ا لإنسانية.
فالجماعات والحضارات والأمم مدينة في نشوئها وتطورها وتقدمها
للقلب وا لعاطفة، أكثر من ا لعقل، ولو ا ستجاب المصلحون لنداء ا لعقل ا لمجرد،
لما فامت حضارة، ولما استقامت أمة، ولما نشأت دولة، ولما انتفع الناس
بمبتكرات العلوم والمكتشفات الحديثة ويقلب السباعي صفحة أخرى، فيجد أ ن
اتباع العاطفة والقلب، جر على الانسانية كثيراً من ا لشقاء، ويضرب مثلاً بتشرشل
ا لذي ساند ا لصهيونية، وفاخر بانه نصير لها وداعم. لو استجاب تشرشل لنداء
157

الصفحة 157