كتاب مصطفى السباعي الداعية الرائد والعالم المجاهد

وفي يوم السبت، في السابع والعشرين من جمادى الأولى سنة 1384 هـ
الموافق للثالث من شهر تشرين الأول سنة 1964 م ترجل الفارس المقدام. .
رحل الرائد والأب. . رحل القائد التاريخي، ولكنه خفف جيلاً من الدعاة الذين
عاهدوه على متابعة الطريق. . بكاه إخوانه وتلاميذه في كل مكان. . بكته دمشق
التي خرجت تودعه إلى مثواه الأخير. . بكته سورية التي هت شيبها وشابها إلى
دمشق، عندما علموا بوفاة القائد الأب، ولكن السلطة البعثية الحاكمة حالت
دون دخولهم إ لى دمشق، والمشاركة في ا لتوديع وا لتشييع. . ومع كل ا لإجراء ات
التي اتخذتها السلطة، كانت للقائد العظيم جنازة ما شهدت دمشق ولا سورية
مثلها. . بكاه كل من عرفه. . رحل القائد والخطيب والعالم والأديب والمفكر
والمنالر، وترك مكانه شاغراً هيهات أن يجود الزمان على سورية وعلى الدعوة
بمن يملؤه. . استراح الجسد، ولكن هيهات لروحه المبثوثة في كتبه وخطبه
وشعره وحكمه ووصا يا ه ورسا ئله أن تعرف ا لراحة. . إ نها ا لنذ ير ا لبشير.
لقد كابد الكثير في عمره القصير الذي لم يصل إلى الخمسين. . وكانت
مكابداته منذ أن فتح عينيه على النور في بيت يتلى فيه القراَن، ويمتلئ بحديث
رسول الله جَمرو، ويُتدارس فيه الفقه، وأحوال الأمة الإصلامية، فكان داعية
الكرامة والشموخ، داعية العروبة والإصلام، يصرخ بابنائها: يا أبناء هذه الأمة!
فتقف الشعور، وتستوفز الأعصاب، وتغلي الدماء في الرؤوس، وتهيج
العواطف، وتثور الكوامن. .
مات سيد الرجال. . رجل الرجال 0 0 الذي لم يقعده المرض والشلل عن
حمل أعباء الدعوة، ولا عن الجهاد باللسان والقلم. . ولم يقعده المثبطون
والحاسدون والحاقدون من الأقرباء والأبعداء عن حمل تلك الراية. . لم
يياس. . ولم يلق ا لسلاح. .
قال رسول الله ع! نر: إ نما ا لناس كا لإبل ا لمئة، لا يوجد فيها راحلة.
وقال ا لسباعي: ا لحياة طويلة بجلائل ا لأعمال، قصيرة بسفاسفها.
!! 00
17

الصفحة 17