كتاب مصطفى السباعي الداعية الرائد والعالم المجاهد

فلا يصيب جماهير السامعين سأم او ملل، ويستموون مشدودين إلى الصوت
العذب، وإلى السمت الساحر، وإلى المعاني التي لم يسمعوها من قبل، في
الصورة التي يعرضها هنى الخطيب الذي يشعل في القلوب حرائق، بما يسرد من
حقائق، بلهجة صادقة، ونبرة رائقة، واتزان، وسموق يملأ النفوس بما يسمو
بها نحو الهدف الذي يرمي إليه الخطيب، فتقتنع العقول، وترتاح القلوب، فلا
تحيد له رماية عن مرماها.
ولعل الناس في ارض الكنانة ما يزالون يتناقلون فيما بينهم، ويروون
لحفدتهم عن ذلك الخطيب الشامي (السباعي) الذي جاء مصر شريداً من بلاده،
ووقف يخطب في الجماهير الحاشدة، وفيهم رجال (الثورة) فألهب الحناجر
بالهتاف والتكبير، ولعب بالعقول، واستثار العواطف، فما كان من رئيس
الجمهورية (محمد نجيب) إ لا أن يخلع قبعته العسكرية، ويقذف بها في الهواء
وهو يهتف مع الهاتفين: اللّه اكبر ودئه الحمد، فقد بهره السباعي، وبهر سائر
الحاضرين، بهذه العبقرية الخطابية، بهذا اللسان القوي، بهذه الفصإحة
الفصيحة النادرة.
كان السباعي يرتجل خطبه، فتعجب لهذا الارتجال الذي يأتي مسدداً في
اسلوبه، ومعانيه، وفي إصابة الهدف في نفوس سامعيه، من دون الأ تقع له على
هفوة لفظية، فقد كان قفة في التجويد في اللغة وعلومها، فلا ينبو عن سمعك
بخطا نحوفي، أو صرفيئ، او لغوفي، أو بلاغيئ، ولا تتجافى جنوب عقلك
وقلبك عن معنى مبتذل، أو غاية غير نبيلة.
كان يرتجل خطبته، وأنت تظئه قد أتعب نفسه في التحضير لموضوعه،
واختيار الفاظه وعباراته، والتنقيب عن أفكاره ومعانيه، وقد يكون الموضوع
ابن لحظته، لم يُعِد له ولم يستعد، ولكنه ؤضع في موقف مرتهن، فبادر إلى فك
الرهان، بما اَتاه الله من فصاحة اللسان، وحصافة العقل، وذكاء القلب، وجمال
الشَمت، وجلال النفس، وعذوبة الصوت، وأسر موسيقاه، وحضور البديهة
التي تحتوي ما قد يجد على الموقف.
55

الصفحة 55