كتاب مصطفى سعيد الخن العالم المربي وشيخ علم أصول الفقه في بلاد الشام
وكان من تقدير الله تعالى أن يلتحق التلميذ (مصطفى) بالقسم الذي
يُدرِّسه الشيخ حسين خطاب - رحمه الله - وقد حفظ طلاب الحلقة خمسين
حديثاً، فسأل الشيخ (حسين) طالب العلم (مصطفى): كم حديثأ تستطيعُ
أن تحفظ من الخمسيق إلى الغد؟ فقال: أحفظها كلَّها! فظنها الأستاذ
ادعاءً ومغالاةً. ولكن الطالب النجيب (مصطفى) جاء في اليوم التالي وقد
حفظها جميعأ، فأُعجب الشيخ حسين بهذا التفوق، ونقلَ إعجابه إلى
الشيخ (حسن) فأوصى به خيراً.
ولم تمضِ مدة حتى حُبِّبَ للشيخ (مصطفى) طلب العلم، فقرر
ا لانتقال إلى القسم النهاري، وكانت خطوة جريئة، تخالفُ ما تعارفَ عليه
الناس، من الإشفاق على طالب العلم، وأنه محكوم عليه أن يعيش حياة
العَوَز والكفاف (1)، بل كانوا يطلقون عليه - كُلأَب جنازة - أي: يتبع
الجنازة، ويتعلق بها، ويرضى بالقليل القليل. . وهي نظرة غوغائية
خاطئة، ولكنها مؤثرة وواقعية على المنظور المعاشي القريب.
واقيمت لطالب العلم (مصطفى) حفلة في بيت الأسرة، لأ حضرها
والده وإخوته وأعمامه وزملاؤه، وأُلبس العمة بدلاً عن الطربوش، وقد
لفَّها له الشيخ حسين خطاب رحمه اللّه، وكان متقنأ للف العمائم البيضاء،
والقى الطالب المعفَم (مصطفى) كلمة بهذه المناسبة، وشهد هذا اليوم
(1)
وهي نظرة خاطئة وقاصرة، لأن الفقر لا يدوم، وحياة طالب العلم الشرعي
(الشيخ) غالبأ ما تكون سعيدة ومستقرة؟ لما يلتزمه من أحكام الحلال والحرإم،
والسلامة من التقلبات والمنغصات. وهو يُكَوّن أسرة مستقرة وهانئة، محافظة
على الحفوق والواجبات، والمحبة والوفاء، وينجبُ أولاداً صالحين بررة،
يتفوقون عل! يأ وسلوكياَ، وقد يترك آثاراَ علمية، وكتبأ نافعة، ويحوز بذلك
خيري الدنيا والاَخرة.
16