كتاب حمد الجاسر جغرافي الجزيرة العربية ومؤرخها ونسابتها

بعض كلمات في مخطوطة استغلق عليه فهمها، كالذي تراه في سفره إلى صثعاء
ولقائه علماء اليمن لمعرفة الكلمات اليمنية القديمة التي أوردها الهمداني في
كتابه (الجوهرتين) وينفق على رحلاته هذه من حز ماله.
ولعل صنيعه هذا يذكرنا بما كان يفعله سلفنا الصالح الذين كانوا يشدُون
الرحال، ويطوفون الفيافي والقفار من أجل التحقُق من حديث نبوي، اوشاهد
لغوي، او خدمة علم من العلوم الأخرى.
حبه للعلم وخدمنه أهله:
اقام الجاسر على انسه بالعلم منذ شبابه حتى شيخوخته المباركة،
لا يشغله عنه شيء، ساقطة عنه كلفه، وجعله همه ومبتغاه، لا يعاقه عنه ولد
ولايعارضه فيه متجر ولايسوم به مطلباَ. فعل هذا مع ضعف بصره، وقد اوصاه
الأطباء منذ زمن بعيد بألا يرهق عينيه بكثرة القراءة، فكيف بقراءة المخطوطات
والتمحيص فيها؟!.
تقلد اعلى المناصب العلمية، واصاب ثروة عظيمة أنفقها في العلم وفي
خدمة اهله، واصدر مجلته العرب، وحسب القارئ ان يعلم ان الكتب التي
ائفها وحقَقها قد وزعها على اهل العلم وعلى المراكز العلمية دون مقابل، ولم
يبع منها إلا القليل القليل، وما تبقَى منها مكدس في المخازن، وكذلك الأمر
مجلته العرب. فلم يبغِ مالاَ ولا جاهاَ، وهكذا سارت حياته بين عزوف عن
الدنيا واقبال على العلم، ورغبة في المعرفة واستكثار من الخير والبر.
اما خدمته أهل العلم فإن المرء ليتحار من أين يبدا حينما يتحدث عن
ذلك، ومما ينبغي الإشارة إليه ذلك الجهد السخي الذي قام به الجاسر من جمع
صسور المخطوطات النادرة التي ركب إليها الصعب والذلول، وجمعها من
مظانها شرقاَ وغرباَ، ثم عزَف بها ودذ الناس عليها في مجلته العظيمة (العرب)،
ثم قدمها للعلماء طيبةَ بذلك نفسُه، زاكياَ بذلك علمُه. ومما قدمه من هذه
النوادر للعلماء - وهو كثير - مخطوطة جمهرة نسب قريش واخبارها للزبير بن
29

الصفحة 29