كتاب علي الطنطاوي أديب الفقهاء وفقيه الأدباء

مشاعره وان توقظ ذكرياته، فنجده قد استرسل - فيها - في هذه الذكريات
وهو يقول مخاطباً مؤلف الكتاب: "لقد حركتَ سواكن نفسي، وبعثت لي
ذكريات أمسي، وهززتني هزاً، حتى لقد أحسستُ كأن قد عادت لي
مواضي ايامي. وهل تعود الأيام الماضيات؟ لقد كان عهد مكتب عنبر
جنتي التي خرجت منها ثم لم أعُد إليها، فرجَعْتَني إليها - يا أخي ظافر-
بكتابك، أطير من فوق أسوارها العالية وابوابها الموصدة بجناحين من
ذكرى وخيال، حتى أدخلها مرة ثانية، فأعيش فيها في حلم ممتع فتان " 0
وفي بعض المقالات صور أدبية تاريخية نكاد نحسق، ونحن
نقرؤها، أننا نعيش في دمشق في بعض ايامها القديمة؟ مثل مقالة "العيد
في دمشق "، وفيها وصف للعيد في بيوت دمشق وأحيائها في مطلع هذا
القرن، و"دمشق التي عرفتها وأنا صغير"، وقد نُشرت عام 1960 وفيها
يقول جدي: "إن موضوعي اليوم ملامح من دمشق قبل خمسين سنة،
جلأَها لعيني واعاد صورتها إلى نفسي وقوفي امس على الدار التي كنا
نسكنها في تلك الأيام ". ثم يمضي بنا في وصفٍ دقيق لحياة الناس في
تلك الأيام؟ كيف كانوا يسكنون وينامون ويقومون ويأكلون ويشربون،
وكيف كانت العلاقات الاجتماعية بين الناس وكيف كان الرجال وكيف
كانت النساء، فلا نفرغ من قراءة المقالة حتى نظن أننا كنا في رحلة إلى
ذلك الزمان، ثم ننتبه عليه وهو يقول: "وما ادري - بعد - ما وقع هذه
الصورة في نفوسكم، ولكن الذي ادريه أن هذه هي ملامح عن دمشق التي
عرفتها وانا طفل من نحو خمسين سنة، فانظروا إلى أين مشينا في هذه
السنين الخمسين! ".
وفي كثير من مقالات الكتاب تصوير ادبي لواقع تاريخي؟ مثل
مقالة "كارثة دمشق " التي نشرها عام 1941 وفيها خبر ضرب دمشق،
بالقنابل في تلك السنة، ومقالة "إلى دمشق بلدي الحبيب " التي كتبها في
الئامن من آذار (مارس) عام 935 1 وفي أولها: "في هذا اليوم، 8 آذار،
105

الصفحة 105