كتاب علي الطنطاوي أديب الفقهاء وفقيه الأدباء

ولم تُذَع قبل نشر هذا الكتاب، وقد كُتبت - فيما يبدو -سنة 956 1. وقد
خُتم الكتاب بفصل عنوانه: "من المدينة إلى تبوك " فيه وصف لطريق
العودة مع نتف من ذكريات الرحلة.
وما ادري ما الذي حمل جدي على بعثرة ذكريات الرحلة وتقطيع
اوصالها بهذا الشكل! ولو كان إليئ امر ترتيب هذا الكتاب لكنت فصَلت
الرحلة عن سواها من المقالات؟ فأبدا بفصل "إلى ارض النبوة "، ئم "من
المدينة إلى مكة" ثم "في ساحة الإعدام "، ثم "من المدينة إلى تبوك "،
وهذه الفصول تستغرق اكثر من نصف الكتاب بقليل.
اما هذه الرحلة التي كُتبت عنها (او اثناءها) كثر مقالات الكتاب
فهي رحلة الحجاز التي مز بكم خبرها في اَخر صفحة من القسم الأول من
هذا الكتاب؟ وكانت الرحلةَ الأولى لكشف طريق الحج البري بين دمشق
ومكة، وقد حفلت -كما قلت عنها سابقأ- بالغرائب وحفت بها المخاطر.
والذي يقرا وصف هذه الرحلة لايجد فيها متعة قراءة القصة الغريبة فحسب،
بل إن فيها كثيراَ من الفوائد والمعلومات التي لانكاد نجدها في بطون الكتب
عن الصحراء والحياة في البادية، وفيها صورة ادبية دقيقة عن تبوك والقريات
قبل ثلثي قرن لا تكاد توجد في اي مرجع آخر، ووصف لمكة والمدينة في
تلك ا لأيام، وفيها حديث عن عادات الناس في طعامهم وشرابهم وضيافتهم
وبعض ذلك مما فوجن به علي الطنطاوي (الشاب - يومئذٍ - القادم من
الشام): "ما كاد يستقر بنا المجلس حتى اقبل العبيد، فمدوا سماطأ على
الأرض ووضعوا عليه قصعة هائلة كان يحملها اثنان منهم، وقد مُلئت رزاً
والقي فوقه خروف كامل بيديه ورجليه وراسه. . وكان الخروف مفتوح
العينين، ناعس الطرف، فأخذتني الشفقة عليه وتوهمت انه ينظر إلينا
وانه. . ئم رايت ان لا مجال للوهم ولا للخيال، وان الوقت لا يتسع
للأدب؟ لأن القوم احدقوا بالقصعة وشمروا عن سواعدهم، فخشيت ا ن
يذهبوا بالرز واللحم ويبقى لي الخيال والوهم! ".
118

الصفحة 118