كتاب علي الطنطاوي أديب الفقهاء وفقيه الأدباء

المدرسة التجارية التي كان ابوه مديراَ لها إلى سنة 918 1، ثم في المدرسة
السلطانية الثانية، وبعدها في المدرسة الجقمقية، ثم في مدرسة حكومية
اخرى إلى سنة 923 1، حين دخل "مكتب عنبر" الذي كان الثانوية الكاملة
الوحيدة في دمشق حينذاك، ومنه نال البكالوريا سنة 1928. لقد عاش
جدي في هذه المدرسة ستأ من اغنى سني حياته لم ينسَ اثرها ولم تغِبْ عنه
ذكراها إلى آخر ايامه، وها هو ذا يقول عنها: "لقد عشت في هذا المكتب
ست سنين كانت احفل سني حياتي بالعواطف واغناها بالذكريات،
وكانت لنفسي كأيام البناء في تاريخ الدار. لو عاشت الدار بعدها الف سنة
لكانت كلها تبعأ لهذه الأيام التي يُرسم فيها المخطط وتُحدد الغرف
ويُرسى الأساس " (1).
بعد ذلك ذهب إلى مصر ودخل دار العلوم العليا، وكان اولَ طالب
من الشام يؤم مصر للدراسة العالية، ولكنه لم يتم السنة الأولى وعاد إلى
دمثق في السنة التالية (1929) فدرس الحقوق في جامعتها حتى نال
الليسانس سنة 1933. وقد راى - لفا كان في مصر في زيارته تلك لها-
لجانأ للطلبة لها مشاركة في العمل الشعبي والنضالي، فلما عاد إلى الشام
دعا إلى تأليف لجان على تلك الصورة، فألُفت لجنة للطلبة سُميت
"اللجنة العليا لطلاب سوريا" وانتُخب رئيسأ لها وقادها نحواَ من ثلاث
سنين. وكانت لجنة الطلبة هذه بمثابة اللجنة التنفيذية للكتلة الوطنية التي
كانت تقود النضال ضد الامشعمار الفرنسي للشام، وهي (اي اللجنة العليا
للطلبة) التي كانت تنظم المظاهرات والإضرابات، وهي التي تولت إبطال
ا لانتخابات المزورة سنة 1 93 1.
وقد علمتم ان اباه توفي وعمره ست عشرة سنة، فكان عليه ا ن
ينهض بأعباء اسرةِ فيها أئم وخمسة من الإخوة والأخوات هو كبرهم.
(1)
في الذكريات حديث طويل عن مكتب عنبر، انظر: 1/ 3 0 1 - 0 13، 9 4 1 - 4 7 1.

الصفحة 12