كتاب علي الطنطاوي أديب الفقهاء وفقيه الأدباء

أشرع بها؟ لأني لا أكتب إلا للمطبعة. لذلك لم اجد عندي شيئأ مكتوبأ
أرجع - عند تدوين هذه الذكريات - إليه وأعتمد عليه، وما استودعتُ
الذاكرةَ ضعفت الذاكرةُ عن حفظه وعجزت عن تذكره. لذلك أخلت
وما طلت، وحاولت الهرب من غير إبداء السبب، وهو يحاصرني ويسد
المهارب عليئ، ويمسك - بأدبه ولطفه وحسن مدخله - لساني عن التصريج
بالرفض 0 ثم اتفقنا على ان أحدث بها واحدأ من إخواننا ا لأدباء وهو يكتبها
بقلمه. واخترنا الأخ العالم الأديب إبراهيم سرسيق، فسمع مني ونقل
! ي، وكتب حلقتين أحسن فيهما واجمل، ولكن لا يحك جسمَك مثلُ
ظفرك؟ فكان من فضله عليئ أن اعاد بعض نشاطي إليئ فبد ات اكتب ".
ولكنه بدأ-كما قال - على غير خطة او نظام: "بدات كتابة الذكريات
وليس في ذهني خطة أسير عليها ولا طريقة أسلكها، واصدق القارى اني
شرعت فيها شبه المكرَه عليها؟ اكتب الحلقة ولا أعرف ما يأتي بعدها،
فجاءت غريبة عن أساليب المذكرات وطرائق المؤرخين ". ولذلك قال في
أول حلقة كتبها بيده للمجلة: " هذه ذكريات وليست مذكرات؟ فالمذكرات
تكون متسلسلة مرتبة، تمدها وثائق معدَة او أوراق مكتوبة، وذاكرة غضة
قوية. وانا رجل قد ادركه الكِبَر؟ فكفت الذاكرة وتسزب إلى مكامنها
النسيان ". ثم يقول: "الجندي حين يمشي في مهمة عسكرية يمضي إلى
غايته قدمأ؟ لايعرج على شيء ولايلتفت إليه، ولكن السائج يسير متمهلأ؟
ينظر يمنة ويسرة، ف! ن رأى منظرأ عجيبأ وقف عليه، وإن ابصر شيئأ غريبأ
صؤره، وإن مز بأثر قديم سأل عن تاريخه؟ فيكون له من سيره متعة، ويكون
له منه منفعة. وانا لا أحب - في هذه الذكريات - أن امشي مشية الجندي،
بل اسير مسيرة السائح ".
هذا ما كان في ذهنه حين بدأ يكتب الذكريات، فهلفوا بنا - الَان -
"نقرأ" أجزاءها المنشورة الثمانية لنرى ماذا وضع فيها.
" ع!
128

الصفحة 128