كتاب علي الطنطاوي أديب الفقهاء وفقيه الأدباء

ان بعض الشر اهون من بعض وان الإنسان يتمنى المصيبة إذا واجه ما هو
كبر منها. لقد تمنيت بتر الساق حين فُتح الباب وظهر الدكتور صبري،
ينطق وجهه قبل ان ينطق لسانه، يخبر ان امي لن تخرج بساق ولا بساقين،
لن تخرج إلا محمولة على الأعناق. . . لقد ماتت امي! ". هل اقرا عليكم
بقية المشهد؟ لا، بل اقرؤوه انتم في الجزء الثانن من الذكريات المنشورة،
في الصفحة 131، ولكن لا تفعلوا بغير منديل تمسحون به دموعكم التي
لن تملكوا لها حبسأ ولا ردأ.
3 - في الصحافة
نشر علي الطنطاوي اول مقالة له في جريدة عامة في عام 1926،
وكان في السابعة عشرة من عمره. ولهذه المقالة قصة طريفة اترككم معها
في السطور التالية: "كتبت مقالاَ وقراته على رفيقي أنور العطار، فأشار
عليئ ان انشره. فاستكبرت ذلك، فما فتئ يزينه لي حتى لنت له، وغدوت
على إدارة "المقتبس" فسلمت على الأستاذ احمد كرد علي - رحمه الله
ورحم جريدته - ودفعت إليه المقال. فنظر فيه فراى كلامأ مكتهلأ، ونظر
في وجهي فراى فتى فطيراَ، فعجب ان يكون هذا من هذا، وكأنه لم
يصدقه فاحتال عليئ حتى امتحنني بشيء اكتبه له زعم ان المطبعة تحتاج
إليه فليس يصخُ تأخيره، فأنشأته له إنشاء من يسابق قلمه فكره، فازداد
عجبه مني ووعدنن بنشر المقال غداة الغد. فخرجت من حضرته وانا
اتلمس جانبيئ انظر هل نبت لي اجنحة اطير بها لفرط ما استخفني السرور،
ولو اني بويعت ب! مارة المؤمنين ما فرحت اكثر من فرحي بهذا الوعد.
وسرت بين الناس وكأنن امشي فوق رؤوسهم تعالياَ وزهواَ، وما أحسبني
نمت تلك الليلة ساعة، بل لبثت اتقلب على الفراش اتصور اي جنة من
جنات عدن سوف أدخل في غداة الغد واي كنز سأجد. حتى إذا انبئق الصبح
واضحى النهار اخذت الجريدة، ف! ذا فيها المقال وبين يديه كلمة ثناء لو
14

الصفحة 14