كتاب علي الطنطاوي أديب الفقهاء وفقيه الأدباء

لأنه لم يكن أمامي في الشام إلا تلاميذ الابتدائية الذي لا يصلج هذا لهم
ولا يصلحون ليُلقى عليهم. فلما جئت بغداد ووجدت طلابأ مدركين
يحبون أن يتعلموا ويستطيعون أن يعوا ويفهموا انطلقت نفسي وأخرجت
ما كان فيها، فجئت بأشياء لا يجوز لي أنا أن أتحدث عنها الأن المرء
لا يمدح نفسه) فاسألوا عنها مَن بقي من تلاميذي في تلك الأيام " (1).
بقي علي الطنطاوي يدزس في العراق حتى عام 1939، لم ينقطع
عنه غير سنة واحدة أمضاها في بيروت مدزساً في الكلية الشرعية فيها عام
1937.
ثم رجع إلى دمشق فعُئن أستاذاً معاوناً في مكتب عنبر (الذي صار
يُدعى مدرسة التجهيز، وهي الثانوية الرسمية حينئذ بالشام)، ولكنه لم
يكفث عن "شغبه " ومواقفه التي تسبب له المتاعب، وكان واحد من هذه
المواقف في احتفالٍ أُقيم بذكرى المولد، فما لبث أن جاء الأمر بنقله إلى
دير الزور! وهكذا صار معلمأ في الدير سنة 0 4 9 1، وكان يمكن أن تمضي
الأمور على ذلك لولا أن الشيخ مضى في سئته ومنهجه في الجرأة والجهر
بالحق: "وجاءت عطلة نصف السنة، فقلت أقضيها في الشام (أي في
دمشق). فاعددت عدة السفر ووضعنا أمتعتنا في السيارة وهممنا بالمسير،
ثم رأينا بأنه لم يبقَ لموعد الصلاة إلا قليل - وكان اليوم يوم جمعة-
فاقترحنا أن تقف السيارة بباب المسجد فنصلي ثم نمتطيها ونتوكل على
الله. فلما دخلت المسجد جاءني الشيخ حسين السراج - رحمه الله - فقال:
إن القوم يطلبون أن تلفي فيهم خطبة قبل أن تسافر. وكانت باريس قد
سقطت في أيدي الألمان والاضطرابات قد عادت إلى الشام، فقلت له:
انت تعلم ياشيخ حسين أنني كالقنبلة التي لا يمسكها ان تنطلق إلا مسمار
(1)
الذكريات: 3/ 93 2، وفي آخر هذا الجزء وأول الذي يليه تفصيل عن اللروس
التي كان يلقيها على الطلاب هناك.
20

الصفحة 20