يستغفله أو يستغله أحد، فلما نجح في امتحان القضاء وعُين قاضيأ في
النبك (وهي بلدة في جبال لبنان الشرقية) لم يسارع إلى استلام العمل، بل
طلب من الوزارة أن تمهله شهراَ: "لا لألعب فيه وأستمتع، ولا لأسافر
وألهو، بل لأواظب في المحكمة الشرعية في دمشق حتى أعرف المعاملات
كلها: من عقد النكاح، وحصر الإرث، وتنظيم الوصية، إلى الحكم في
قضايا الإرث والوقف والزواج. . . " (1).
وبعد هذا الاستعداد وفقه الله فكان ابتداء عمله بالقضاء خير ابتداء،
فقد قابَلتْه في محكمة النبك قضية ضخمة جداَ؟ إضبارتها تعدل في عدد
صفحاتها - كما قال -جزأين من القاموس المحيط لا جزءاَ واحداَ، وكان
كبار المحامين يأتون من دمشق للنظر فيها، فنظر فيها فبدا له أمرٌ لم يكن
أحدْ قد انتبه له. قال: "وأصبح الصباح وغدوت على المحكمة، وجاء
المحامون الكبار. . . والمحامون أمام القاضي الجديد كالطلاب الكبار
مع المعلم الجديد: تكون معركة خفية بين الفريقين؟ المحامون يريدون
أن يعرفوا قوة هذا القاضي من ضعفه، وعلمه من جهله، وحزمه من لينه.
ففاجأتهم بقرار: "سُئل الطرفان عن كلامهما الأخير"، وهذا القرار إنما
يكون بعد استيفاء المرافعاب في اَخر الدعوى ليعلن بعده ختام المحاكمة
ويصدر الحكم. فتعجبوا واعترضوا عليئ وتعالت أصواتهم، وحسبوا أني
قاضِ ضعيفث لا يدر! ما يقول. ولكني أخذتهم بالحزم وأفهمتهم أن هذا
قرار لا يجوز لهم الاعتراض عليه إلا بعد ختام الدعوى، فسكتوا على
مضض ينتظرون ماذا سيكون مني، يتوقعون أن يسمعوا قراراَ يتخذونه
نكتة بينهم، يتندرون به على وزارة العدل التي تقيم في القضاء من لايعرف
أصول ا لقضاء، ف! ذا القرار. . . وهكذا انتهت ا لمحاكمة. ونظرت إليهم فا ذا
هم مثل الذي يصحو من حلم عجيب وقد تنتهوا إلى أنهم كانوا يسيرون في
(1) ا لذكر يات: 4/ 6 6 1.
23