الحرم - في مجلسٍ له هناك -أو في بيته ساعات كل يوم، ثم بدأ برنامجيه:
"مسائل ومشكلاب " (في الإذاعة) و"نور وهداية " (في الرائي) (1)، اللذين
قُدر لهما أن يكونا أطول البرامج عمراً في تاريخ إذاعة المملكة ورا ئيها.
هذه السنوات الخمس والثلاثون كانت حافلة بالعطاء الفكري
للشيخ، ولاسيما في برنامجيه اللذين استقطبا - على مرّ السنين - ملايين
ا لمستمعين والمشاهدين وتعققَ بهما ا لناس على اختلاف ميولهم وأعمارهم
واجناسهم وجنسياتهم، ولم يكن ذلك بالأمر الغريب؟ فلقد كان علي
الطنطاوي من أقدم مذيعي العالم العربي، بل لعله من اقدم مذيعي العالم
كله؟ فقد بدا يذيع من إذاعة الشرق الأدنى من يافا من أوائل الثلاثينيات،
وأذاع من إذاعة بغداد سنة 937 1، ومن إذاعة دمشق من سنة 2 94 ا لأكثر
من عقدين متصلين، واخيراً من إذاعة المملكة ورائيها نحواً من ربع قرن
متصل من الزمان.
هذا العمل ملأ عليه وقته كله خلال تلك السنوات، وقد عشت معه
- عليه رحمة الله - بعضأ من تلك الأيام ما زلت أسترجع ذكراها إلى اليوم.
لقد جئت إلى المملكة في مطلع عام 1977 لدراسة الهندسة في جامعة
الملك عبد العزيز بجدة، وكنت أمضي في نهاية كل أسبوع يومين او ثلائة
أيام في بيته بمكة فأراه كيف يصنع. كان يُمضي كل يوآ ساعاتٍ عاكفأ على
أسئلة المستمعين والمشاهدين قراءةً وفرزاً ليختار منها ما يصلح ل! جابة؟
وما كان يسعه أن يجيب عن كل سؤال يأتيه لأنه كان يستلم من الأسئلة في
كل أسبوع مئابٍ (حقيقة لا مجازام ووقتُ البرنامجين لا يكاد يتسع لغير
عشرِ منها أو عشرين، ثم كان يراجع المسائل في أقاب الكتب ويضع
تعليقاتِ على الأسملة بخطه في بعض الأحيان. وكان - فوق ذلك - يتفرغ
(1) بدأ هذا البرنامج نحو عام 1967، وكان له - قبله - برنامج عنوانه "صور من
أمجادنا".
27