للإجابة عن أسئلة المستفتين بالهاتف بين العصر والمغرب كل يوم.
ولطالما اعلن في الإذاعة والرائي ان ذلك هو الوقت الذي يتلقى فيه الأسئلة
ولكن الهاتف كان يرن في كل ساعة من ليل أو نهار! فإذا جاء المغرب كان
ينطلق إلى الحرم فيجلس في موضع له هناك لا يفارقه بين العشاءين فيأتيه
من الناس من شاء ويسأله من شاً فكان ذلك مجلسأ مفتوحأ للعلم
والفتوى. فإذا عاد من الحرم بعد العشاء فلا يستقبل احداً (كما أنه لا يستقبل
احداً قبل العصر) ويعود إلى قراءته ومراجعاته وشؤون أهل بيته.
هكذا أمضى جدي تلك السنوات، حتى إذا جاوز الثمانين بدأ
جسمه (الذي حمله في مسيرة حياته الطويلة الحافلة) بالتعب، وما عاد
يقوى على العمل، فاثر ترك الإذاعة والرائي.
وكان - قبل ذلك - قد لبث نحو خمس سنين ينشر ذكرياته في
الصحف؟ حلقةً كل يوم خميس، فلما صار كذلك وقَفَ نشرَها (وكانت
قد قاربت مئتين وخمسين حلقة) وو خ القرّاء فقال: "لقد عزمت على أ ن
أطوي أوراقي، وامسح قلمي، وآوي إلى عزلة فكرية كالعزلة المادية التي
اعيشها من سنين، فلا اكاد أخرج من بيتي، ولا أكاد ألقى احداً من رفاقي
وصحبي " (1).
ثم اغلق عليه باب بيته واعتزل الناس إلا قليلاً من المقربين يأتونه
في معطم الليالي زائرين، فصار ذلك له مجلساً يطل من خلاله على الدنيا،
وصار منتدى أدبيأ وعلميأ تُبحث فيه مسائل العلم والفقه واللغة والأدب
والتاريخ. وبات الشيخ - في اَخر أيامه - ينسى بعضاً من شؤون يومه؟
فربما صلى الفريضة مرتين يخشى أن يكون نسيها، وربما نسي ما كان في
اليوم الذي مضى، ولكن الله كرمه فحفظ عليه توقد ذهنه ووعاء ذاكرته
حتى اَخر يوم في حياته. لقد صار أخيراً يتورع عن الفتوى مخافة الزلل
(1) ا لذ كريات: 8/ 0 4 3.
28