كتاب علي الطنطاوي أديب الفقهاء وفقيه الأدباء

والنسيان، ولكن الواقع أنه كان قادراً على استرجاع المسالْل والأحكام
بأحسن مما يستطيعه كثير من الرجال والشبان، وكان - حتى في الشهر
الذي توفي فيه - تُفتتح بين يديه القصيدة لم يرها من عشر سنين أو عشرين
فيمئم ابياتَها ويبين غامضها، ويُذكَر العَلَم فيعرجم له، وربما اختُلف في
ضبط مفردة من مفردات اللغة أو في معناها فيقول هي كذلك، فنفتج
القاموس المحيط (وهو إلى جواره، بقي كذلك حتى اَخر يوم) فإذا هي
كما قال.
ومضت به على هذه الحال سنوات حتى كَل قلبُه الكبير فما عاد
قادراً على المضي بعدُ، فلما كانت اَخر السنوات أدخل المستشفى مرات
وهو يشكو كل مرة ضعفأ في قلبه، وكانت الأزمات متباعدة في اول الأمر
ثم تقاربت، حتى إذا جاءت السنة الأخيرة تكاثرت حتى بات كثيرَ التنقل
بين البيت والمستشفى. ئم أتم الله قضاءه فمضى إلى حيث يمضي كل
حي، وفاضت روحه - عليها رحمة الله - بعد عشاء يوم الجمعة، الثامن
عشر من حزيران، عام 1999 في قسم العناية المركزة بمستشفى الملك
فهد بجدة، ودُفن في مكة في اليوم التالي بعدما صُلّي عليه في الحرم المكي
الشريف.
اللهم ارحمه برحمتك رحمة واسعة، اللهم اغفر له وأَحسنْ إليه
حيث هو، اللهم أبدله داراً خيراً من داره، واهلاً خيراً من أهله، وأدخله
الجنة، واعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار، اَمين.
وبعد: لم يكن كل ماسبق سوى صفحات معدودات ولمحات
محدودات من سيرة حياة جدي، علي الطنطاوي، الحافلة.
لقد أدركت - منذ البداية - صعوبة حصر الحديث عنه في المساحة
التي حددها الأخ الناشر، ولكن عزائي أن كتابأ اَخر شاملاً سيغطي ما فات
الحديث عنه في هذه السيرة الموجزة إن شاء الله0
29

الصفحة 29