الناس، فلا ينفضي الوقت إلا والعمل قد أنجز. لقد وصف هو تلك الخصلة
فيه فقال: "الطالب العاقل يعد للامتحان من أول يوم، يمشي على مهل
خطوةً خطوةً مثل سلحفاة لافونتين، فهذا أسلم من أن يقلد- كما قلدت أنا-
الأرنب، وكما أصنع دائمأ. إن هذا من عيوبي، وعلى الكاتب أن يجنب
قز اءه عيوبه 0 إنني أؤخر كل عمل إلى اَخر وقته ئم أقوم أعدو كالمجنون. لقد
تركت الحكمة العربية الصحيحة: "لا تؤخر عمل اليوم إلى غد" وأخذت
الكلمة الحمقاء للكاتب الفاسق أوسكار وايلد: " لاتؤخر إلى غد ما تستطيع
عمله بعد غد". ولقد أضاع عليئ التسويف خيراً كئيراً في الدنيا وأسال الله
- ضارعأ إليه -ألا يضيع عليئ خير ا لَاخرة " (1).
فمن أجل هذه الخصلة وهذا الطبع فيه، كان جدي يؤخر كتابة
المقالة حتى ما يكون بينه وبين موعد تسليمها للمطبعة غير أمد يسير، "ثم
يكتبها على عجل ويدفعها على عجل فتدرك النشر في اللحظة الأخيرة.
ولطالما أملى عليئ بالهاتف - وهو في مكة -حلقات من ذكرياته لفا نشرت
في جريدة "الشرق الأوسط "، فكان يمليها عليئ عصر الإثنين فأركض بها
إلى مكتب الجريدة فأسلمها في ربع الساعة الأخير من الوقت المتاح
(وتتكرر القصة أسبوعأ بعد أسبوع)، ولو لم يرتبط بموعد نشرٍ لما كتب
قط. لقد كان يستثقل الكتابة ويُعرض عنها ئم لا يمبِل عليها إلا راغمأ لأن
أمراً أقوى من صعوبة القيام بالأَمر كان يدفعه إليه، ذلكم هو الارتباط
بالوعد أن تُسفَم المقالة في الموعد المضروب. ولئن كان جدي قد صرح
بامتلاكه علة التسويف والتأجيل فإن مما لم يذكره عن نفسه أنه كان صادق
الوعد، لا اكاد أذكره أبداً - وقد عرفته، منذ وعيت، قرابة أربعين عاماً-
نكث وعداً أو أخلف موعداً.
فلما كان كذلك فإنه لم يجد أبداًالهمة ليقعد إلى طاولة ويجمع
(1) ا لذكر يات: 2/ 1 8 1.
34