كتاب علي الطنطاوي أديب الفقهاء وفقيه الأدباء

فخطوة لا يقطع الأميال ولا يجوب البلاد! ".
واما "الرسائل" فقد كانت بواكير كتاباته، غلبت عليها حماسة
الشباب وعاطفته وكانت (او كان أكثرها) مرتبطة بظروف زمانها وأحوال
عصرها. وهو قد تحدث في ذكرياته المنشورة عنها (انظر الحلقتين 8 3
و 39 في الجزء الثاني)، غير أنني أقبس - فيما يلي - تعريفأ بها عثرت عليه
بقلمه بين اوراقه (مقا لم يُنشر). قال:
"أول كتبي المطبوعة رسائل سميتها رسائل في سبيل الإصلاح،
نُشرت سنة 1348، وهي اربع. وضعتُ في أولاها البذرة التي جاءت
ئمرتها بعد نحو نصف قرن في اوائل كتابي "تعريف عام " عن وجود الله
ومقدمات الإيمان. وجاء فيها نقدٌ صريح موجع لتقصير العلماء، وإهمال
دائرة الأوقاف، وفساد المجتمع. وجاء في واحدة منها (سميتها: "دمشق
بعد تسعين عامأ") أغربُ ما يصل إليه خيالٌ جامح لشال! عما يمكن ا ن
يكون في دمشق من الغرائب بعد تسعين سنة، فكان اغربَ شيء أن الذي
رايناه الان بعد خمسين سنة فقط (1 ي وقت كتابة هذه الكلمات) لم يصل
إليه خيالي ولم يشر إليه مقالي. وقد أثارت هذه الرسائل طوائف من
الناس، كثرهم من المشايخ ومن جماعة الأوقاف، وألفت في الرد عليها
رسائل منها "الإفصاح عقا في رسائل الإصلاح " للشيخ احمد الصابوني.
ئم اصدرتُ - في السنة التالية - سلسلةَ جديدةَ عنوانها "رسائل سيف
الإسلام " في الدعوة إليه والذبِّ عنه، بلغت ثماني رسائل، وألحفتُ بها
رسائل أخرى بلغت سبعأ. وكانت تُوزع مجانأ. ولهذه الرسائل قصة
طريفة؟ وهي ان مكتبة عَرَفة في المسكية (اي في سوق الكتب) عند باب
الجامع الأموي كانت مجمع الأدباء، وكنا فيها يومأ فوقف علينا شاب
لانعرفه، وخاض في حديثنا، فتبين أنه من دعاة البهائية. فلما طال المجلس
قلت له: دعك من هذا الكلام، فالمسألة مسالة ما ل، فكم تدفع إن أنا اتبعت
مذهبك؟ فأخرج ليرتين ذهبيتين، وكان لذلك قيمة فأخذتُهما وذهبت
38

الصفحة 38