كتاب علي الطنطاوي أديب الفقهاء وفقيه الأدباء
بسم الله الرحمن الرحيم
بين يدي هذا الكتاب
لم أعلم - حين طلب إليّ الأخ الفاضل، الناشر الأديب، محمد
علي دولة أن أكتب هذا الكتاب - انه سيكون مصدرَ متعةٍ لي وفرصةَ للعودة
إلى كتب جدي التي قرأتها على مرّ السنين مرات ومرات. لقد كنت في
الثالثة عشرة حين اهداني جدي نسخة كاملة من مجموعة مؤلفاته، وقد
اعتبرتها في ذلك الوقت كنزاً ثميناً لا يحصل مثلي -عادةً - على مثله،
فأقبلت عليها إقبال النّهم الولهان. وما زلت أعود إلى بعضٍ منها بين وقت
وآخر فأقرؤه، فكانما اَقرؤ 5 في كل مرة اولَ مرة، فأستمتع به وأحس بأنني
استفدت جديداً من علم او لغة او أسلوب. فلما جئت اليوم أكتب عن هذ5
الكتب معزفاً قزاء هذا الكتاب بها، أحسست أني قد كشفت فيها أشياء
جديدة، وأعادتني قراءتي لها إلى مواضي ايامي التي تلقيتها فيها اول مرة،
واحسست بلذة ذلك التلقي الأول تسري في روحي وتملك عليئ قلبي. . .
فيا أخي أبا سليم، لك الشكر.
اما جدي، فأي شيء اكتب عنه معرّفأ به؟ أوَمثله يحتاج إلى
تعريف؟ ولكن الأخ الناشر أراد تعريفاً موجزاً ينسجم مع هذا الكتاب فأجبته
إلى ما أراد وانا في حيرة من أمري: أي شيء اكتب عن الشيخ وأي شيء
أدع. لقد أمضى حياةً حافلةً عاصر فيها قرناً قطعت فيه البشرية في سلم
التطور المدني والتقدم العلمي مثل ما قطعته في تاريخها السابق كله من يوم
أن استعمر الله الإنسان في ا لأرض، وهو لم يكن شاهداً ومتفرجألا غير، بل
كا ن له في صناعة الأحداث دور وفي توجيه الناس نصيب؟ علّم في المدارس
الابتداثية والثانوية وفي المعاهد والجامعات، وعفم البنين والبنات،
الصفحة 5
136