كتاب علي الطنطاوي أديب الفقهاء وفقيه الأدباء

- افزع إلى مكتبة الكلية، استعير منها الكتاب بعد الكتاب. . . فكان فيما
استعرت منها كتاب بلغ من إعجابي به ان استبقيته عندي إلى ان فارقت
الكلية، أفرا فيه كل يوم فلا أملُّ القراءة فيه، ولا تخلو نظرة فيه من موعظة
اتَّعظ بها، او فا ئدة استفيدها، او طرفة آنس بها. وفيه - فوق ذلك - تحليل
للنفوس وفيه وصف للمجتمع، في أسلوب مبتكر وطريقة في التصنيف
لا أعرفها لأحد من المصنفين. وكان الكتاب: "صيد الخاطر" لابن
الجوزي ".
وهو يبدي إعجابه بالاسم الذي سمى به المؤلف كتابه: "وفي هذا
الاسم توفيقٌ عجيب؟ ذلك ان الخواطر لا تفتا تمزُ على الذهن كأنها الطيور
التي تجوز سماء الحقل، تراها لحظة ثم تفتقدها، فكأنك ما رايتها، فاذا
انت اصطدتها وقيدتها ملكتها ابداَ. لذلك جعل المؤلف هذا الكتاب "قيداَ
لصيد الخواطر "، فكان الاسم نفسه نفحةَ من نفحات العبقرية ".
ثم هو يخبرنا كيف انتهى به هذا الإعجاب بالكتاب إلى نشره: "فلما
عدت إلى دمشق فتشت عن نسخة من الكتاب (وكانت نسخه نادرة في تلك
الأيام) حتى وجدتها، فجعلت انظر فيه دائماَ، ورآه اخي ناجي (القاضي
الشرعي) (1) فأولع به ولازم مطالعته حتى كاد يحفظه عن ظهر قلب،
ووضع العناوين لفصوله، واتخذ له فهارس. يصنع ذلك لنفسه لا يفكر
في طبعه ولا في نشره. فلما رايت ذلك، ورايت الكتابَ جيداَ جداَ ونسخَه
قليلةَ جداَ، فكرت في نشره. وكان في الكتاب كثير من التحريف والخطا،
(1)
أي وقت كتابة هذه المقدمة قبل أربعين سنة، وقد جإء إلى المملكة بعد ذلك
فعمل مستشاراَ في وزارة الحج، وتوفي - رحمه الله - في بيته بالعام في صيف
سنة 1998؟ أي فبل وفاة جدي، بسنة واحدة. وهو شاعر أديب فقيه، ومن
ظرفاء الرجإل، وله أشعار نشورة في كثير من المجلات (من أقدمها ما نشره في
" الرسالة ")، وفليل من المؤلفات المنثحورة.
66

الصفحة 66