كتاب علي الطنطاوي أديب الفقهاء وفقيه الأدباء

هذا؟ "في سبيل الإصلاح "، فلا اجد ما اقدم له به إلا هذا الكلام الذي
قلته قبل ثلاثين سنة كوامل ".
كان هذا ما جاء في مقدمة الطبعة الأولى من الكتاب. ئم هو يعود
بعد ثلاثين سنة أخرى ليكتب لنا مقدمة الطبعة الثانية منه، ومما جاء فيها:
"إني حين أفكر فيما كانت عليه الدنيا وأنا في صدر حياتي ومطلع صباي
وما هي عليه الَان احسنُ كأني صعدت إلى راس المئذنة ووقفت عند
الهلال لا استند إلى شيء، انظر من تحتي إلى ما حولي فأحسنُ ان الدنيا
تدور بي حتى أكاد اسقط على رأسي. لقد كان تبدُلاً يكبر عن التصديق،
ولكن هل كان خيراً كله؟ الجواب: لا. هل كان شراً كله؟ الجواب: لا.
إن فيه خيراً من الواجب علينا أن نتمسك به، وفساداً علينا أن نصلحه.
ومن هنا حاولت - وأنا أكتب واؤلف وأخطب واحاضر من ستين سنة - أن
أجعل حظأ من عملي هذا في سبيل الله ثم في سبيل الإصلاح ".
ولقد كان كذلك، وما المقالات التي جمعها هذا الكتاب غير قدر
يسير مما قدمه في هذا الباب. وهو - أبداً - يهتم بأساس الإصلاح ولبه
فلا يَضيع (كما يصنع كثير من الوعاظ والمحدئين) في القشور ولا يُضيع
فيها الناس. في مقالة "أخلاقنا" (التي نشرها عام 1938) يقول: "نحن
اليوم - في كئر بلدان الشرق الإسلامي - في دور يقظة ومطلع نهضة،
ولكل نهضة جسم وروح؟ أما الجسم فهذه السياسة وما يتصل بها، وهذه
الدواوين الحكومية وما يكون فيها، وهذه القوانين والأنظمة وما ينشا
عنها؟ وأما الروح فهو الأخلاق والعقائد والمثل العليا. فروح الحكم
الإخلاص والقناعة والعدل بين الناس، وروح الوظيفة الاستقامة ومعرفة
الواجب، وروح المدرسة تنشئة جيل المستقبل على المثل العليا، وروح
الصحافة نشر الحق والفضيلة والخير. . . فهل امتدت نهضتنا إلى الروح؟
أم هي قد اقتصرت على الجسم وحده؟ لم نُغنَ إلا به، شأننا في كل أمر من
أمورنا حين نهتم بالقشور ونقف عند الظواهر؟ ".
74

الصفحة 74