كتاب أوضح التفاسير (اسم الجزء: 1)

{فَجَعَلْنَاهَا} أي جعلنا هذه العقوبة، أو هذه المسخة، أو هذه الآية {نَكَالاً} عبرة وعظة. يقال: نكل به تنكيلاً: إذا صنع به صنيعاً يحذر به غيره {وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} {لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} أي لمعاصريهم ومن بعدهم، أو للسابقين واللاحقين
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ} حين وجدوا قتيلاً من بينهم؛ ولم يعلموا قاتله فسألوه أن يدلهم عليه. {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} وحكاية ذلك: أن رجلاً موسراً قتله بنو عمه ليرثوه، وطرحوه عند باب المدينة، ثم جاءوا يطالبون بديته؛ فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة، ويضربوا القتيل ببعضها؛ فيحيا ويخبرهم بقاتله. فضربوه بذنبها، فحي وقال: قتلني فلان وفلان - يريد ابني عمه - فاقتص منهما، وحرما ميراثه.
{فَارِضٌ} طاعنة في السن {عَوَانٌ} وسط في السن {لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ}
{فَاقِعٌ لَّوْنُهَا} شديد الصفرة
{لاَّ ذَلُولٌ} أي لم تذلل للعمل {مُسَلَّمَةٌ} سالمة من العيوب {لاَّ شِيَةَ فِيهَا} لا علامة
{فَادَّارَأْتُمْ} أصلها: فتدارأتم؛ أي تدافعتم في الخصومة، وتستر بعضكم وراء بعض {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ} مظهر {مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} من الجريمة
{فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} أي اضربوا القتيل ببعض البقرة فيحيا، أو اضربوا القاتل ببعض جثة القتيل؛ وهذا يكون مدعاة لاعتراف القاتل {كَذَلِكَ} أي مثل إحياء القتيل أمامكم {يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى} يوم القيامة؛ فتقوم، وتجادل، وتحاسب، وتثاب، وتعاقب؛ وعلى القول الثاني وهو ضرب القاتل ببعض جثة المقتول {يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى} بظهور القاتل، والاقتصاص منه.
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} أيها اليهود {مِّن بَعْدِ ذلِكَ} أي من بعد أن أظهر الله تعالى ما كتمتموه في أنفسكم من القتل، وبعد أن أراكم كيف يحيي الموتى؛ ومن حق القلوب التي ترى ذلك أن تخضع وتلين؛ ولكن قلوبكم ازدادت قسوة {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ} في الصلابة والجمود، وعدم الخشوع والفهم {أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} من الحجارة.
-[14]- {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ} إشارة إلى أن من الحجارة ما هو أرق من القلوب القاسية، وأرقى من القلوب الكافرة {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} أي وإن من الحجارة لما يخشع ويخضع خوفاً منالله؛ قال تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً}

الصفحة 13